لا أدلّ على عظيم مكانة المساجد عند الله تعالى من جعلها مكاناً لإقامة تلك العبادة "الصلاة" التي عندما أراد سبحانه فرضها لم يُرسل الأمر مع جبريل عليه السلام ككلّ الفرائض الأخرى، ولكنّه أسرى بنبيّه الأكرم ورسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من مسجد إلى مسجد: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾1، ثم عرج به إلى السموات العلى وخاطبه سبحانه في ذاك المقام الشريف، وفرض عليه وعلى أمّته هذه الشعيرة العظيمة التي اختصّها الله من بين سائر شرائع الإسلام بذلك، ولمّا كان السجود أشرف أجزاء الصلاة، وموضع القرب، وبه يتجلّى التواضع والخضوع، والتذلّل لله جلَّ وعلا . اشتُقّ اسم المكان منه، فقيل : مسجد، ولم يقل مركع أو غير ذلك.
عُمّار المساجد صفوة خلق الله وممّا يدلّ كذلك على مكانة المسجد عند الله أنّه جلّ شأنه جعل عمّاره مادّياً ومعنوياً هم صفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين، وأتباعهم من عباده المؤمنين، قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾2.
وقد جعل الله سبحانه بنّاءها وعُمّارها يكتسبون عظيم ثنائه عليهم، ويوصف ـ من وجه آخر ـ خرّابها وهدّامها بأقبح الصفات وأشنعها.
قال الله جلّ شأنه ممتدحاً بُنّاءها وعُمّارها: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾3.
وقال سبحانه ذاماً خُرّابها وهُدّامها: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾4.
المسجد أوّل ثمار التمكين كان مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فترة الدعوة المكّية يُعلّم أهل بيته ومواليه في دار أمّ المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام، ويُعلّم أصحابه في منازلهم أيضاً إلى أن خُصّت دار الأرقم ابن أبي الأرقم لتجمُّعهم، ولم يكن المسجد الحرام ينال حظّه من التْعليم والتزكية، لصدّ المشركين فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإيذائهم له، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يُصلّي ويدعو الله فيه منفرداً، ويصبر على أذى أئمّة الشرك.
ولمّا هاجر المصطفى الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنوّرة تغيّر الحال عمّا كان عليه، وإنّ ممّا ينبغي الاهتمام به والتنبيه عليه ولفت النظر له أنّ رسول الله مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو معلّم الناس الخير بقوله وفعله وهدايته للناس فيما يهمّهم في أمر دينهم ودنياهم ومعاشهم ومعادهم - وهو الرؤوف بأمّته الرحيم بها-، كان أوّل عمل قام به صلى الله عليه وآله وسلم بعد هجرته إلى المدينة المنوّرة تأسيس المسجد لما له من رسالة سامية وغاية عظيمة، وهدف نبيل وعاقبة حميدة في الدنيا والآخرة، ومنه انطلقت جحافل الإيمان لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ملتزمة بملّة إبراهيم عليه السلام ودين مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم تتأدّب بآدابه، وتسير على نهجه القويم، وسيرته الفذّة المباركة الميمونة،وقد قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾5، فجعل الله تعالى الصلاة أول تطبيق متى تمّ التمكُّن، وكان المسجد النبويّ هو أول ثمار تمكين الله للمسلمين في الأرض، ومنه بدأ تاريخهم الحضاري، وكان الشريان المغذّي لدولة الإسلام في أطوار نموّها المختلفة.
على خطى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على خطى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم درج المسلمون الأوائل، ومن خَلفهم من أهل الخير باهتمامهم بالمسجد وكانوا إذا أرادوا الإقامة في بلد من البلدان أول ما يشتغلون به بناء المسجد، لِما سمعوه وبلغهم من قول النبيّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: "ومن بنى لله مسجداً ولو - كمفحص قطاة6- بنى الله له بيتاً في الجنّة"7.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث الذي أوردناه: "ولو كمفحص قطاة" أراد المبالغة في الصغر، حتى لا يحتقر أحد ما بناه من المساجد ولو في غاية الصغر، وقد يدخل في ذلك من ساهم في بنائه ولو باللبن أو الطين، أو عمل فيه بيده، أو دفع أجرةالعاملين ونحو ذلك من العمل الذي يُنسب إلى صاحبه أنّه ساعد في بناء المسجد بنفسه أو ماله، احتساباً عند الله تعالى، وطلبَاً للأجر المترتّب على هذه الأعمال.
روى الإمام الكاظم موسى بن جعفر عن آبائه الكرام عليهم السلام عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: "إنّ الله إذا أراد أن يُصيب أهل الأرض بعذاب، قال: لولا الّذين يتحابّون بجلالي، ويعمرون مساجدي، ويستغفرون بالأسحار، لأنزلتُ عذابي"8.
بيوت الجنّة قال الله عزّ وجلّ في مُحكم كتابه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾9، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلً﴾10، في هذه الآيات المباركة بيان واضح في أنّ بيوت الجنّة وقصورها تُبنى بالإيمان والصالحات من الأعمال، ومن أعظمها: أن يبني الإنسان لله جلّ وعلا بيتاً يُعبد فيه ويُذكر اسمه سبحانه وتعالى. ومن الروايات اللطيفة الّتي حثّت على عمران المساجدما رواه أبو عبيدة الحذاء، وهو أحد أصحاب إمامنا الصادق جعفر عليه السلام، وقد سمعه في إحدى المرّات ينقل عن جَدّه النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنّة، قال أبو عبيدة، فمرّ بي أبو عبد الله عليه السلام في طريق مكّة، وقد سوّيت بأحجار مسجداً، فقلتُ له: جُعلتُ فداك نرجو أن يكون هذا من ذلك، فقال: نعم"11.
وصية النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر الغفاري تكتسِب أيّ وصيّةٍ أهميتّها الخاصّة - غالباً - من سببَيْن: الشَّخص المُوصي، ومضمون الوصيّة، وقد يُسهِم سببٌ ثالث في هذه الأهميَّة، هو الشخص المُوصَى،وفي هذه الوصيّة المباركة كان الشخص المُوصي، أمين الله في أرضه، وحجّته على خلقه خاتم النبيين وقائد المرسلين رسول الله مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكان الشخص المُوصَى هو العبد الذي قال فيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أقلّت الغبراء، ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر"12، وعنه رضي الله عنه نُقلت هذه الوصيّة المباركة إلينا:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذرّ، من أجاب داعي الله، وأحسن عمارة مساجد الله، كان ثوابه من الله الجنّة، فقلتُ: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، كيف تُعمّر مساجد الله؟ قال: لا تُرفع فيها الأصوات، ولا يُخاض فيها بالباطل، ولا يُشترى فيها ولا يُباع، واترك اللّغو ما دمتُ فيها، فإنْ لم تفعل فلا تلومنّ يوم القيامة إلاّ نفسك .
يا أبا ذرّ، إنّ الله تعالى يُعطيك ما دمتَ جالساً في المسجد بكلّ نفس تنفّس فيه درجة في الجنّة، وتُصلّي عليك الملائكة، وتُكتب لك بكلّ نفس تنفّستَ فيه عشر حسنات، وتُمحى عنك عشر سيّئات.
يا أبا ذرّ، أتعلم في أيّ شيء أُنزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُو﴾13؟ قلت: لا فداك أبي وأُمّي . قال: في انتظار الصلاة خلف الصلاة.
يا أبا ذرّ، إسباغ الوضوء في المكاره من الكفّارات، وكثرة الاختلاف إلى المساجد، فذلكم الرباط. يا أبا ذرّ، يقول الله تبارك وتعالى: إنّ أحبّ العباد إليّ المتحابّون بجلالي، المتعلّقة قلوبهم بالمساجد، والمستغفرون بالأسحار, أُولئك إذا أردتُ بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم"14.
صلاة الجماعة في المساجد إنّ من أعظم شعائر الإسلام صلاة الجماعة في المساجد، فقد شرع الله لهذه الأمّة الاجتماع في بيوته في أوقات معلومة لأداء هذه الشعيرة، فالمسلمون يجتمعون في اليوم والليلة خمس مرّات لأداء هذه الصلاة، وقد اتّفق المسلمون على أنّ أداء الصلوات الخمس في المساجد من أوكد الطاعات وأعظم القربات، بل هي من أعظم وأظهر شعائر الإسلام، ولقد أثنى الله تعالى على الذين يعمرون مساجد الله وشهد لهم بالإيمان، وعمارتها تكون بالعمارة الحسّية وهي بناؤها، وبالعمارة المعنوية وهي عمارتها بالذكر والطاعة والعبادة، ومن ذلك إقامة الصلاة فيها مع المسلمين، فيجب على المسلم أن يُحافظ عليها في جماعة إلا من عذر.
ولقد كان سيّدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج إلى المسجد في أيّام مرضه الشديد، وهو بين أمير المؤمنين علي، وعمّه العبّاس بن عبد المطلب، وقدماه تخطّان في الأرض، لا يمنعه ذلك من أن يُقيم للمسلمين الصلاة جماعة، ويُبيّن للناس أنّ رسالة المسجد في الإسلام تتركّز في الدرجة الأولى على التربية الروحية. ولصلاة الجماعة دور فعّال في هذا الشأن ويشهد لذلك عظيم مكانتها وجليل منزلتها، فهي من واجبات الدين، وسنن الهدى، يجتمع للمصلّي فيها شرف المناجاة لله تعالى، وشرف العبادة، وشرف البقعة، ولقد رتّب الإسلام على حضور صلاة الجماعة في المساجد أجراً عظيماً تحدّثت عنه الكثير من النصوص الشريفة.
فضل المشي إلى صلاة الجماعة قال الله العظيم في كتابه الكريم: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾15, المشي لأداء الصلاة جماعةً من الأعمال الصالحة ومن أعظم الطاعات والقربات، وقد ثبت في ذلك فضائل عظيمة وكثيرة، منها: ما رواه الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لجبرئيل عليه السلام: "يا جبرئيل أيّ البقاع أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: المساجد، وأحبّ أهلها إلى الله أوّلهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها"16.
وجاء عن الإمام الصادق عن آبائه الكرام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك"17. صغر خطاك إذا غدوت لمسجد***فلربما غفرت ذنوبك بالخطى تمشي ومشيك للمساجد قربة***تسمو بشأنك للجنان وللتقى
المشّائين في الظُّلَم إلى المساجد لا يخفاكم أنّ الله جلَّ وعلا رتّب على وجود المساجد أجوراً عظيمة، وخيرات عميمة، وعَظّم منزلة المشَّائين إليها، فجعل سبحانه المشي إليها سبيلاً لرفعة الدرجات، فقد روى عبدالله بن جعفر بن محمد، عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله تبارك وتعالى: ألا إنّ بيوتي في الأرض المساجد، تُضيء لأهل السماء كما تُضيء النجوم لأهل الأرض، ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته، ألا طوبى لعبدٍ توضّأ في بيته ثمزارني في بيتي، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر، ألا بشّر المشّائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة"18.
من فضائل صلاة الجماعة المصلّي في المسجد مع الجماعة يحصل له من صلاة الجماعة مثل أجر صلاة المنفرد خمس وعشرين مرّة، وقد روى أبو سعيد الخدري عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة"19.
وروي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ الله يستحي من عبده إذا صلّى في جماعة ثم سأله حاجته أن ينصرف حتى يقضيها"20.
فعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من صلّى المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة في المسجد في جماعة، فكأنّما أحيى الليل كلّه"21.
وقد سأل زرارة الإمام الصادق عليه السلام: عن ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة، فقال عليه السلام: "نعم، صدقوا، فقلتُ: الرجلان يكونان جماعة، قال عليه السلام: نعم ويقوم الرجل عن يمين الإمام"22.
وتزداد عظمة صلاة الجماعة في المسجد ويزداد ثوابها،لذا ورد الحثّ الشديد عليها في الأحاديث الشريفة وروى الشيخ الصدوق بسنده إلى الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وإنّ الله عزّ وجلّ ليهمّ بعذاب أهل الأرض جميعاً حتى لا يُحاشي منهم أحداً، فإذا نظر إلى الشُّيّب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات، والولدان يتعلّمون القرآن رحمهم الله، فأخّر ذلك عنهم"23.
وإذا كان حضور الجماعة بهذه المنزلة، فإنّه يجب على قاصد المسجد لأداء هذه العبادة العظيمة أن يتحلّى بأشرف الصفات، وأحسن الخصال، واعلم أيّها القارئ الكريم: أنّ الله أمر نبيّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وأمّته بصلاة الخوف جماعة في حال الحرب، وهو وقت عصيب، يواجه المسلمون فيه عدوّهم، فقال عزّت آلاؤه: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ﴾24، فهل تظنّ يا أخي الحبيب أنّ صلاة الجماعة تجب على هؤلاء في هذه الظروف الحالكة، ولا تجب على رجل يتقلّب في فراشه الناعم آمناً مطمئنّاً معافى؟!
فيا أخي المسلم حافظ على صلاة الجماعة، وكن من عُمّار بيوت الله تعالى، وبادر لحضور المسجد، ففي ذلك الأجر العظيم، والخير الكثير في الدنيا والآخرة، وإيّاك والكسل في عبادة عظيمةهي أشرف العبادات وأفضل الطاعات، وستجد إنْ شاء الله ثواب صلاتك، ومحافظتك على الجماعة أحوج ما تكون إليه.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيّاكم ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه. * طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. |