"تزاوروا..."1, دعوة أكّد عليها رسول الإسلام وأهل بيته الأطهار انطلاقًا من الدور الاجتماعيّ الذي رسمه الله تعالى للإنسان في هذه الحياة.
ثواب الزيارة ضمن سياسة الترغيب التي انتهجها الإسلام ورد الكثير من الروايات المبيّنة لثواب زيارة المؤمنين بقيمة عظيمة هي أنّ زائر المؤمن هو زائر الله، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من زار أخاه في بيته قال الله عزّ وجلّ له: أنت ضيفي وزائري، عليّ قراك..."2.
شرط ثواب الزيارة غير خافٍ ما تضمّنه الحديث السابق من عظيم الثواب الذي يناله الزائر، لكن بشرط أن تكون الزيارة لا لمصلحة دنيويّة من دون الله، بل أن تكون لله تعالى، وهذا ما بيّنته عدّة روايات منها: - عن الإمام الصادق عليه السلام: "من زار أخاه في الله قال الله عزّ وجلّ: إيّاي زرت، وثوابك عليّ، ولست أرضى لك ثوابًا دون الجنّة"3. - عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من زار أخاه المؤمن إلى منزله لا لحاجة منه إليه، كتب من زوّار الله، وكان حقيقًا على الله أن يكرم زائره"4. - عن الإمام الصادق عليه السلام: "من زار أخاه لله لا لغيره، التماس موعد الله، وتنجّز ما عند الله، وكلّ الله به سبعين ألف ملك ينادونه: ألا طبت وطابت لك الجنّة"5. - وعنه عليه السلام: "من زار أخاه في الله ولله جاء يوم القيامة يخطر بين قباطي6 من نور لا يمرّ بشيء إلاّ أضاء له"7. - وعنه عليه السلام: "إنّ لله عزّ وجلّ جنّةً لا يدخلها إلاّ ثلاثة: رجل حكم على نفسه بالحقّ، ورجل زار أخاه المؤمن في الله، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله"8.
أهداف الزيارة رسمت الأحاديث الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام حول زيارة المؤمنين عدّة أهداف يمكن مقاربتها من خلال العناوين الآتية: 1- تغذية العاطفة لا يخفى أنّ للإنسان حاجات نفسيّة لا تقلّ شأنًا عن الحاجات الجسديّة، والتواصل الاجتماعيّ له أثر كبير في التغذية النفسيّة العاطفيّة المطلوبة، من هنا ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "لقاء أهل الخير عمارة القلب"9، والزيارة هي من المصاديق الجميلة لهذا اللقاء والتواصل الذي يغذّي هذه العمارة القلبيّة. وهذا ما أشار إليه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فيما ورد عنه: "الزيارة تُنبت المودّة"10.
2- تطوير الوعي أشارت بعض الأحاديث إلى ترشيد زيارة المؤمنين بتنضيج العقول لإيجاد ونشر الوعي في المجتمع من خلال الأحاديث التي تُطرح في الزيارة، فيكون فيها المغنم في إيجاد حالة النضوج العقليّ بين الناس، فعن الإمام الهادي عليه السلام: "ملاقاة الأخوة نشرة وتلقيح العقل، وإن كان نزرًا قليلاً"11.
3- نشر الهداية دعا أهل البيت عليهم السلام إلى اغتنام اللقاءات والزيارات بإحياء أمرهم من خلال الحديث عن الإسلام المحمّدي الأصيل، وإبقاء شعلته وضّاءة في المجتمع، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "تزاوروا في بيوتكم, فإنّ ذلك حياة لأمرنا رحم الله عبدًا أحيا أمرنا"12.
4- مساعدة المؤمنين إنّ زيارة المؤمنين التي تكلّل بإحياء أمر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليه السلام بذكر أحاديثهم الجاذبة تؤكّد المودّة والتعاطف بين المؤمنين، وتحثّهم على مساعدة بعضهم البعض، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "تزاوروا, فإنّ في زيارتكم إحياءً لقلوبكم، وذكرًا لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطّف بعضكم على بعض..."13.
إبليس وزيارة المؤمنين ممّا تقدّم نفهم سبب انزعاج إبليس من التزاور بين المؤمنين والذي ورد فيه عن الإمام الكاظم عليه السلام: "ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده لعلّها مِنْ زيارة الأخوان في الله بعضهم لبعض"14.
نصائح للزائر بعد التأكيد على كون القصد من الزيارة التقرّب إلى الله تعالى دعت الأحاديث إلى مراعاة الأمور الآتية: 1- زيارة الأخيار عن الإمام عليّ عليه السلام: "زر في الله أهل طاعته"15. عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا زرت فزر الأخيار، ولا تزر الفجّار"16.
2- تخفيف الزيارة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "زُرْ غِبًّا تَزددْ حُبًّا"17. وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إغباب الزيارة أمان من الملالة"18.
نصائح للمزور 1- الترحيب به إنّ الترحيب بالزائر يشعر بأنّ المزور سعيد بالزيارة، ولو كان هذا الترحيب عبر ملامح الوجه، ففي حديث أدب اللقاء عن الإمام الصادق عليه السلام: "تلقى أخاك ببشر حسن"19.
2- الأناقة إنّ تزيّن المزور بمناسبة قدوم الزائر إليه يشعر الأخير بالاهتمام به، ممّا يزيد أواصر العلاقة، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "ليتزيّن أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه"20.
3- كرم الضيافة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله كريمٌ يحبّ الكرم"21، والكرم كما يفهم من الحديث الوارد عن الإمام عليّ عليه السلام يتحقّق بأن يأتي المزور بما لديه للزائر، ففي الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام: "الكريم من جاد بالموجود"22.
ومن المعيب أن يتذمّر المزور من ضيافة الزائر خوفًا من نقصٍ في رزقه، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضمانة في عدم نقصان الرزق بضيافة الزائر، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الضيف يجيء برزقه، ويذهب بذنوب أهله"23. * كتاب كيف نتواصل مع الناس؟، سماحة الشيخ أكرم بركات. |