للولاية معنى عجيب. أصل معنى الولاية: عبارة عن قرب شيئين أحدهما من الآخر. لنفترض أنّ حبلين متينين رُبطا بعضهما بالبعض بحيث لا يمكن فصلهما بسهولة، هذا ما يُسمّى في اللغة العربيّة بـ "الولاية". الولاية تعني: اتّصال شيئين وارتباطهما وتقاربهما بنحوٍ لصيقٍ ومتين. جميع المعاني التي ذُكرت لـ"الولاية" في كتب اللغة ـ معنى المحبّة، ومعنى القيّوميّة وباقي المعاني، حيث يوجد في اللّغة العربيّة سبعة أو ثمانية معاني ـ من هذه الناحية ـ يوجد في كلّ واحد منها بشكلٍ ما هذا القرب والتقارب بين طرفي الولاية. كـ "الولاية" بمعنى المحبّة، ذلك لأنّ المحبّ والمحبوب لهما ارتباط واتّصال معنويّ لأحدهما بالآخر (يشدّ أحدهما إلى الآخر)، ولا يمكن فصلهما. يذكر الإسلام الحكومة بتعبير "الولاية" ويعرّف الشخص الذي يقف على رأس الحكومة بـالوالي، الوليّ، المولى ـ أي: اشتقاقات كلمة الولاية ـ. ما معنى ذلك؟ معناه أنّ الشخص الذي يجلس على رأس السلطة وأولئك الأشخاص الذين تكون في يده سلطة الولاية عليهم، لهم ارتباط واتّصال وتواصل لا ينقطع. هذا هو معنى هذه المسألة. هذا، يفسّر لنا الفلسفة السياسيّة للإسلام في موضوع الحكومة. كلّ حكومة لا تكون هكذا فهي ليست ولاية، أي ليس الحاكميّة التي توقّعها الإسلام. لو افترضنا أنّ هناك أشخاصًا على رأس السلطة ليس لهم ارتباط بالناس، فهذه ليست ولاية، إذا كان هناك أشخاص علاقتهم بالناس علاقة خوف ورعب وليست علاقة محبّة ووئام وارتباط - فهذه ليست ولاية، إذا تزعّم أشخاص من خلال الانقلاب، فهي ليست ولاية، إذا تربّع أحد على عرش الحكم عن طريق الوراثة والخلافة النسبيّة، وهو يفتقر إلى الفضائل والشروط الحقيقيّة التي تُشترط في الحكومة - فهي ليست ولاية. الولاية تكون عندما يكون ارتباط الوالي أو الولي بالناس المولّى عليهم ارتباط قريب، شفّاف، مفعم بالمحبّة، وذلك كما كان الأمر عليه مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أي: ﴿بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾[1]، أي: يكون هناك شخص من بين الناس أنفسهم يتولّى مسألة الولاية والحكومة. هذا هو أساس المسألة في حاكميّة الإسلام[2]. الولاية الإلهيّة ارتباطٌ بالناس إذن، علاوة على تلك المعاني الحقيقيّة الموجودة، الحكومة في الإسلام هي حكومة ولائيّة، والولاية تعني: الحكومة التي عُبّر عنها بهذه العبارة اللطيفة والمتناسبة مع شخصيّة الإنسان. ولأنّ لأفراد المجتمع وأفراد بني البشر في الإسلام، أهميّة في حساب الإسلام السياسيّ، في الواقع، فالشعب هو كلّ شيء. الشعب هو من يُعتدّ بشخصيّته، وإرادته، ومصالحه، وجميع شؤونه في نظام الإسلام السياسيّ، عندها (عندما يتوفّر ذلك الشرط)، تأخذ الولاية الإلهيّة معناها من خلال هكذا مشاركة للشعب. حقيقة الولاية الإلهيّة هي: الارتباط بالشعب. ارتباط أمير المؤمنين الدائم بالشعب لذا، نرى أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو مظهر الولاية في الإسلام والمصداق التامّ للوليّ الذي نُصّب للناس، لم يخلُ في أيّ وقت من حالة الارتباط بالناس هذه، والتواصل والانسجام معهم. سواء في العهد الذي أُقصي فيه عمليًّا عن الحكم، وانفصل عنه الناس على نحو الارتباط الحكومتيّ، أي: سُلبت منه الحكومة عمليًّا، الولاية والحكومة والقيادة والسلطة التي يُعبَّر عنها في الإسلام بـ "الولاية" وكانت حقًّا له - سُلبَت منه ـ بالطبع، الولاية المعنويّة- ذلك الشيء المفروض والموجود في إمامة الشيعة - موجودة في كلّ الأحوال وليست مرتبطة بالولاية الظاهريّة - ولا في العهود الأخرى، ترك الارتباط والاتّصال بالنّاس. في ذلك الوقت كان أمير المؤمنين عليه السلام واحدًا من أفراد الشعب وجزءًا منهم، لم ينزوِ وينعزل ويبتعد عن الناس. وأيضًا، في الوقت الذي تسلّم فيه الحكم، كان حاكمًا شعبيًّا بكلّ ما للكلمة من معنى[3]. |