إذا اشتد النزاع بين الزوج والمرأة لأي سبب كان، فإنّ الله تعالى وضع جملة من الأمور يمكن الرجوع إليها منعاً لانهيار هذا البناء المحبب إليه، نشير هنا إلى بعضها: 1- محكمة العائلة: عندما تصل الأسرة إلى حد الخوف من التشتت والتبعثر فإنه من الضروري اللجوء إلى محكمة العائلة، ويعني ذلك أنه يتم اختيار شخصٍ عادلٍ من طرف الزوج وآخر من طرف المرأة ليستطلعا المشاكل ويسعيا للإصلاح بينهما، وأن يبذلا جهدهما في سبيل الإصلاح ووضع حلول للمشاكل القائمة وعدم الوصول بأي شكل من الأشكال إلى خيار الانفصال والطلاق. هذه الآية تطرح تشكيل محكمة عائلية بأسلوب غاية في الروعة. فيقول تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾[1]. 1- اختيار عادلَيْن من طرف الزوج والزوجة يسعيان لخير الطرفين والإصلاح بينهما. 2- هذه المحكمة ليست بحاجة إلى موازنة مالية. 3-سرعة الوصول إلى هذه المحكمة دون الحاجة إلى تراكم الملفات وعبء المشاكل الإدارية. 4- عدم وصول أسرار الزوجين إلى الأجانب وبقاؤها في محيط العائلة. 5- اعتماد هذين العدلين بشكلٍ دائم كونهما يمثلان طرفي العائلتين. وبناءً على هذه الآية فإن المجتمع ـ وبالأخص الأقرباء ـ مسؤولون عن تشكيل هذه المحكمة والسعي لرفع المشكلات القائمة والإصلاح بين الزوجين قبل حدوث أي أمر سيِّئ لا يكون في مصلحة الطرفين. 2- الالتفات إلى مستقبل الأولاد لا شكّ أنّ الأب والأم يشكلان ملجأ الأولاد وحصنهم في أي أسرة، وهما يسعيان تحت ظل الألطاف الإلهية لتوفير أسباب الرفاهية وحمايتهم الجسدية والنفسية، ويعملان على إيصالهم إلى أعلى مراتب النمو والكمال والوعي. فالخلاف والشقاق والنزاعات بين الزوج والزوجة تؤثر في شخصية الأطفال وتترك أثراً سيئاً على سلوكهم وتساهم في تعزيز خيار الطلاق، مع الالتفات إلى أنّ هؤلاء الأطفال سيشكلون جزءاً من المجتمع في المستقبل وأنّ أي تقصير أو قصور في وعيهم وتربيتهم من الآثام التي لا يغفرها الله تعالى. 3- التوصية بعدم الطلاق أوصى الإسلام موقعي الطلاق والشهود والآخرين أن يسعوا لعدم المشاركة في جلسات الطلاق، ومن ذلك أن الطلاق لا يصح إلا بحضور شاهدين عدلين، ومن الطبيعي أن هذين العادلين بَذَلَا جهدهما من أجل التوفيق بين الزوجين وعدم الوصول إلى خيار الطلاق. ومن البديهي أن هذه الأمور كلها جعلها الإسلام مانعاً من الوصول إلى الطلاق، والتخلص من حالة الغضب والتوتر التي يعيشها الزوجان والتي تؤدي غالباً إلى خيار الطلاق وبالتالي العودة إلى فضاء الحياة الزوجية السعيدة. 4- عدة الطلاق: من المعلوم أنّ الرجل يستطيع الرجوع إلى زوجته خلال فترة العدة في الموارد التي وقع فيها الطلاق طلاقاً رجعياً، ومن الأمور الخاطئة التي لا يراعيها الكثيرون عند الطلاق أنه عندما يتم الطلاق فإنه سرعان ما يُخرج الزوج زوجته من المنزل وتسارع الزوجة للخروج طلباً للحرية وهذا يخالف تعاليم الإسلام الذي أوجب احترام الزوجة وعدم إخراجها، فضلاً عن أن ذلك يوفر الأرضية للإصلاح وعودة الحياة الزوجية إلى مجاريها. إنّ ثورة الغضب والغيظ الناشئة عن التراكمات بينهما غالباً ما تؤدي فجأة إلى قرار الطلاق والإنفصال، إلا أنّ بقاء الزوجة في المنزل وجلوس الزوجين إلى جانب بعضهما من شأنه أن يبرد أجواء الغضب ويُعيدُ الوِفاق أثناء العدة ـ إلا أنه مع الأسف كثيرون ممن يصل بهم الأمر إلى الطلاق لا يلتفتون إلى هذه المسألة ـ خصوصاً مع وجود الأطفال في المنزل، كما أنّ إظهار كلّ منهما محبته للآخر يساهم في صناعة أرضية الرجوع عن الطلاق فما يلبث أن تنقسع سحابه العداوة السوداء وتتبدد من سماء الحياة الزوجية وتشرق من جديد شمس المحبة والعاطفة وما أجمل قول الإمام الباقر عليه السلام: المطلقة تكتحل وتتخضب وتطيب. |