الأحد 8/9/2024  
 كيف كانت النجوم ترسم حدود العرب؟

كيف كانت النجوم ترسم حدود العرب؟
أضف تقييـم
إرثٌ كبير تركه العلماء العرب للإنسانيّة جمعاء. ما أسباب تسمية النجوم أسماءً عربيّة؟
قد يظنّ البعض أنّ أبعد ما وصل إليه العرب جغرافيّاً هو خراسان، امتداداً إلى آسيا الوسطى في الشّرق، والأندلس، وصولاً إلى أراضي إسبانيا والبرتغال في الغرب.
لكنّ حدود العرب كانت في فترات سابقة أبعد من ذلك بأضعاف مضاعفة، بل كانت تتخطّى الأرضَ لتصل إلى السّماء. بعضُ الجيل الجديد، المفتون بالحضارة الغربيّة والمقلّد لها، لغةً وسلوكاً، والمسلّمِ بتفوّق العرق الأبيض على سائر النّاس، قد لا يعلم بأنّ تاريخ من يتنكّر لنسبته لهم كان الحجر الأساس في علومٍ لولاها لما قامت للغرب وعلومه الحديثة قائمة.
إرثٌ كبير تركه العلماء العرب للإنسانيّة جمعاء. وبينما أهمله أهله فيما بعد، استعان به غيرهم ليتمكّنوا من التطوّر والتقدّم في مجالات شتّى. نذكر من هذه العلوم علم الفضاء ورصد الكواكب والنّجوم والمجرّات. فهل يعلم عرب اليوم بأنّ السّماء في اللّيالي الحالكة تتزيّن بنجوم تحمل أسماء بلغتهم الأمّ؟ وأنّ هذه الأسماء تمتلئ بها كلّ الكتب التي تتمحور حول علوم الفضاء بأيّ لغة كانت؟
تذكر الكتب أكثر من 200 نجم يمكن رؤيته بالعين المجرّدة، لها أسماء مشتقّة من اللّغة العربية ومترجمة إلى اللّاتينيّة، أي ما يُعادل ثلثي عدد النّجوم الّتي ذُكرت في هذه الكتب. بعضها عبارة عن أجزاء من أسماء عربية أطول - غالباً ما تمّ اختصارها لتلائم أجهزة القياس الفلكية في العصور الوسطى - بينما تم تشويه بعضها الآخر بصورة يصعب التعرف إليها بمرور الوقت بسبب أخطاء الترجمة والنسخ. ومع ذلك، فإنّ جزءاً كبيراً من مسمّيّات عالمنا المرئي، عند نظرنا إلى السّماء، هي باللّغة العربيّة.
نذكر، على سبيل المثال، واحداً من أهم كواكب السماء النجمية وأشهرها، وهو الدب الأكبر أو ما عرف عند العرب تحت اسم بنات نعش الكبرى، فنجومها السبع تحمل جميعاً أسماء عربية هي الدب (Dubhe)، المغرز (Megrez)، الإلية (Alioth)، المئزر (Mizar)، المراق (Merak)، الفخذ (Phad)، القائد (Alkaid)، بالإضافة إلى الفرقدان (Farkadan)، ويد الجوزاء (Betelgeuse) وسهيل (Suhail) والنسر الواقع المشهور بنجم فيغا (Vega).
ويجع سبب هذه التسميات في المقام الأول إلى المساهمات الكبيرة لعلماء الفلك العرب والمسلمين خلال العصر الذهبي الإسلامي، أي تقريباً من القرن الثامن إلى القرن الــ 14. خلال تلك الفترة، حقق علماء الفلك الإسلامي تقدماً ملحوظاً في علم الفلك الرصدي والرياضيات والملاحة السماوية. وقاموا بمراقبة النجوم وفهرستها بدقة، وغالباً ما قاموا بتعيين أسماء عربيّة بناءً على ملاحظاتهم وتفسيراتهم وترجماتهم للنصوص الفلكية اليونانية والفارسية والهنديّة السّابقة. 
ما أسباب تسمية النجوم بأسماء عربيّة؟
ترجمة ونقل المعرفة: قام علماء العرب والإسلام بالترجمة والحفظ للنصوص اليونانية القديمة بشأن علم الفلك، والتي تضمنت أنواع النجوم واصطلاحات تسميتها.
وأضاف العرب ملاحظاتهم وتفسيراتهم الخاصة إليها، وابتكروا أسماء نجوم جديدة، بالإضافة إلى ترجمة الأسماء اليونانية الموجودة. ومن الذين تركوا أثراً لا يُمحى في مراقبة النجوم العربية ودراستها الفلكي أبو الحسين عبد الرحمن الصوفي، المعروف أيضاً باسمه اللاتيني أزوفي (Azophi)، وكان يتتبّع بصورة منهجية كتاب عالم الفلك اليوناني "بطليموس"، المنقّح للنجوم.
أنتج الصوفي نسخة منقحة ومحدثة عن كتاب "المجسطي" لبطليموس، في كتاب رئيس، يسمى كتاب صور الكواكب (كتاب النجوم الثابتة)، أكمل كتابته نحو عام 964 م. بُني عمل الصوفي على أساس التراث الفلكي اليوناني، لكنّه احتوى على قائمة كبيرة بأسماء النجوم الخاصة بالعرب، ومقاديرها التي حددها الصوفي نفسه، ورسمين لكل كوكب، الأوّل كما يظهر في السماء والثاني معكوس من اليمين إلى اليسار، كما يظهر على الكرة السماوية (كرة وهمية ذات قطر لانهائي ومركزها الكرة الأرضية، وتنتشر فيها الأجرام السماوية). أما أقدم نسخة باقية فأنتجها ابنه نحو عام 1010 م، وهي محفوظة في جامعة أوكسفورد.
علم الفلك الرصدي: قام علماء الفلك العرب والمسلمون بعمل سجلّات رصد واسعة النطاق للأجرام السماوية، بما في ذلك النجوم. وطوّروا أدوات متطورة مثل الأسطرلاب وأساليب محسّنة لقياس مواقع النجوم وأحجامها.
التّأثير العلمي: انتشرت إنجازات علماء الفلك العرب في جميع أنحاء العالم الإسلامي وخارجه، من خلال النشاطات التجارية والدراسية والتبادل الثقافي مع مختلف الشعوب. وبذلك أصبحت علومهم، وضمنها تسمياتهم للنّجوم، معتمدة على نطاق واسع وغير محدّدة في مساحة جغرافيّة معيّنة.
الإرث الثقافي: استمرت التسمية العربية للنجوم على مدى قرون، الأمر الذي ترك أثراً واضحاً في التسمية الفلكية الأوروبية والحديثة. وبذلك، لا يزال عدد من هذه الأسماء مستخدَماً حتى اليوم في الأدبيات العلميّة، وحتّى علم الفلك الشعبي.
حملت النجوم أسماء عربيّة بسبب الدور المحوري الذي أداه علماء الفلك الإسلامي في تقدم علم الفلك في العالم أجمع خلال العصور الوسطى.
وتركت ملاحظاتهم وتفسيراتهم وأعراف التسمية إرثاً دائماً في مجال علم الفلك، الأمر الذي شكّل أسس تحديد النجوم ودراستها حتّى يومنا هذا.
المصادر
- موسوعة أسماء النجوم عند العرب في الفلك القديم والحديث. الدكتور عبد الرحيم بدر
- مداخل عربية في علم النجوم. زياد علّاوي
عدد المشـاهدات 88   تاريخ الإضافـة 18/07/2024 - 11:53   آخـر تحديـث 07/09/2024 - 18:46   رقم المحتـوى 25569
 إقرأ أيضاً