وقف عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمدّة ثلاث عشرة سنة إلى جانب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفي أصعب المواطن. صحيحٌ أنّ هجرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كانت اضطراريّة وتحت الضّغط المتواصل لقريش وأهل مكّة، لكنّها كانت ذات مستقبلٍ مشرق. فالجميع كان يعلم أنّ هذه الهجرة هي مقدّمة النّجاحات والانتصارات. هناك عندما تتجاوز أيّ نهضةٍ مرحلة المحنة لتدخل في مرحلة الرّاحة والعزّة، هناك عندما يكون الجميع منشغلًا، بحسب العادة، لكي يصلوا أسرع من غيرهم، علّهم يأخذون من المناصب الاجتماعيّة شيئًا، وينالون الموقعيّةً، في تلك اللحظة بالذّات، كان أمير المؤمنين عليه السلام مستعدًّا لأن ينام مكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في فراشه، في تلك الليلة المظلمة الحالكة، حتّى يتمكّن الرّسول من الخروج من منزله ومن هذه المدينة. في تلك الليلة، كان مقتل من ينام على ذاك الفراش أمرًا شبه قطعيّ، ومسلّمًا به. كوننا نحن نعلم ما حدث، ونعلم أنّ أمير المؤمنين لم يُقتل في تلك الحادثة، هذا لا يعني أنّ الجميع في تلك الأثناء كان يعلم ذلك، كلّا، فالقضيّة كانت أنّه في ليلةٍ حالكة، وفي لحظة معيّنة، كان من المقرّر أن يُقتل شخصٌ حتمّا. كان يُقال إنّه، ومن أجل أن يخرج هذا السيّد من هنا، ينبغي أن يكون هناك شخصٌ آخر مكانه حتّى يشعر الجواسيس، الّذين يُراقبون، بأنّه ما زال هناك، فمن هو المستعدّ لذلك؟ هذا هو إيثار أمير المؤمنين عليه السلام الّذي يُعدّ بذاته حادثةً استثنائية من حيث الأهمّية. لكنّ توقيت هذا الإيثار يزيد من أهميّته. ففي أيّ وقتٍ كان ذلك؟ في الوقت الذي كان متوقّعًا أنّ تصل فيه هذه المحنة إلى نهايتها، وأن يذهبوا لتشكيل الحكومة، وأن يكونوا مرتاحين، وأهل يثرب قد آمنوا وينتظرون النبيّ. الكلّ كان يعلم ذلك. في مثل هذه اللحظة، يقوم أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الإيثار، فلا ينبغي أن يكون هناك أيّ دافعٍ شخصيّ في مثل هذا الإنسان، حتّى يقدم على مثل هذه الحركة العظيمة. أمير المؤمنين (عليه السلم) في المعارك والحروب: قدِم الإمام علي عليه السلام إلى المدينة مع بدأ المعارك والقتال المتواصل لحكومة النبيّ الفتيّة. فالمعارك والحروب كانت دائمة، هكذا كانت خاصيّة تلك الحكومة. كان هناك مواجهات دائمة، بدأت قبل معركة بدر، واستمرّت على مدى السنوات العشر تلك، وإلى آخر حياة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، خاض فيها النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عشرات المعارك والمواجهات مع الكفّار، على مختلف أنواعهم وأقسامهم وشُعَبِهِم. وفي كلّ هذه المراحل، كان أمير المؤمنين عليه السلام حاضرًا ليكون أوّل من يتصدّى، وأكثر النّاس تضحيةً وفداءً، واستعدادًا للموت بين يديّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كما بيّنه أمير المؤمنين عليه السلام نفسه، وأظهره التاريخ في جميع هذه المراحل والميادين المهولة: "ولقد واسيته بنفسي في المواطن الّتي تنكص فيها الأبطال وتتأخّر فيها الأقدام"[1]. وقف أمير المؤمنين عليه السلام إلى جانب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أشدّ اللحظات حرجًا، بينما كان بعض النّاس يُفكّر في نفسه وفي كيفية الحفاظ عليها، بحجّة أن يكون مفيدًا للإسلام فيما بعد. ولم يخدع أمير المؤمنين عليه السلام نفسه أبدًا بمثل هذه الحجج، ولم تكن نفسه السّامية لتُخدع. ففي جميع مراحل الخطر، كان أمير المؤمنين عليه السلام حاضرًا في الخطوط الأماميّة. تاريخ النبي وأهل البيت عليهم السلام، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] نهج البلاغة، ص 311. |