يرتكز مفهوم العبودية والتسليم لله في نفس الإنسان المؤمن على أسس وقواعد نفسية تمنح فكرة العبودية حياة وحيوية، وقوة نفسية ووجدانية مؤثرة ودافعة الى التعلق والارتباط بالله سبحانه.
ومن هذه الأسس النفسية أو المشاعر الذاتية العميقة الغور:
الحب والشوق: أي حب الله والارتباط به، وحب الله يحتل عقل الإنسان وقلبه ويتفاعل مع عواطفه ووجدانه، ويملأ روحه ومشاعره، ويغدوا ديناً له، وطريقه في الحياة تظهر آثارها في كل سلوكه، وتنعكس روحه في كل نشاطاته وأحاسيسه، فتكون عبوديته لله قائمة في نفسه على أساس الحب والشوق الخالص لمعبوده، لأنه يرى فيه كل صفة محبوبة، بل يراه منتهى الكمال والغاية.
لذا فإن هذا الحب والتعلق بالله، لا يفتأ يحركه ويدفعه نحو إلهه ومعبوده، فلا يستريح إلاّ بالعمل الذي يقربه منه ولا يسعى إلاّ لما يرضيه.
وهو حينما يمارس هذا الحب، ويعيش هذا الشوق، يشعر بأنه يعانق أجمل لذائذ الحياة، وأرقى مراتب السعادة التي تقربه من معبوده الذي يتجه نحوه بحب وشوق.
فصور الأداء والتعبير العبودي التي يمارسها الإنسان من صلاة وصوم وجهاد ودعاء... لا يتم معناها الحقيقي في النفس الإنسانية إلاّ بعد الشعور بالحب الصادق لله والشوق إليه.
لذا ترى الانسان المؤمن يحمل رسالة العبودية والدين بروحه وعقله، ويبشر بها ويفخر باعتناقها ويضحي من أجلها بماله ونفسه وراحته، وكل أحبائه، لأن كل ذلك لا يساوي شيئاً إذا ما قيس بحب المعبود عنده.
وقد أوضح القرآن الكريم بإيجاز شيق تلك العلاقة النفسية العظيمة بين المؤمن ومعبوده فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..﴾ المائدة/45. ﴿.. والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ..﴾ البقرة/561.
وفي دعاء الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله نجد تفجراً صادقاً لينابيع الحب والشوق الالهي فنقرأ "اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك وحب من يقربني الى حبك. واجعل حبك أحب إليّ من الماء البارد"([1])، وها هو الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد الرسول صلى الله عليه وآله يغترف من ينابيع الحب الالهي ويصور لنا عذوبة مذاقه حتى إن من شرب منه لا يميل الى سواه: "أَنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجأوا الى غيرك"([2]) .
وقد تحدث الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن علاقة المحب بالله وانطباع هذا الشعور على سلوكه ومشاعره فقال: "المحب أخلص الناس لله وأصدقهم قولاً وأوفاهم عهداً"([3]) .
أما حين تخبو في روح الانسان هذه الشعلة الوهّاجة ويجف هذا الينبوع المتفجر، فإنه يشعر بجفاف الحياة، ويحس بتراكم ظلمات النفس، وتعاسة العيش.. فيظل يتخبط في تعبده.. حيران في عالم الضياع.. بعيداً عن الله.
وهو وإن مارس العبادة في هذه الحال، فصام وصلى.. وعمل أعمال الخير، إلاّ أن أعماله هذه ستبقى خاوية من مضمون العبادة الحقيقي.. خالية من محتواها الروحي الذي يرفع الإنسان درجات في عالم الرقي والكمال البشري. بين العبادة والعبودية، جمعية المعارف الإسلامية |