لا نبالغ أبداً حينما نقول: إنّ الذي اجتمع لسيّد الشهداء عليه السلام في نفسه وولده وإخوته وأهل بيته وأصحابه في يوم واحد ومكان واحد، وبملاحظة منزله ومقامه وسائر الخصوصيّات الأخرى له ولأهل بيته عليهم السلام، لم يجتمع لشخصٍ مثله عبر التاريخ.
وهذا ما أشارت إليه الروايات الشريفة الواردة بشأن مصيبته عليه السلام: ففي العبارة الخالدة المرويّة عن الإمام الحسن عليه السلام أنّه قال: "لا يومَ كيومك يا أبا عبد الله"(1). وعن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال: "ولا يومَ كيوم الحسين عليه السلام "(2). وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ يوم الحسين عليه السلام أعظم مصيبة من جميع سائر الأيّام"(3).
وإذا كان هذا اليوم أعظم الأيّام مصيبة، فالمطلوب التعاطي مع هذه الذكرى بما يتناسب مع عظم المصاب، على مستوى الإحياء والاهتمام والتفاعل القلبيّ والجسديّ.
وأوّل عنوان يحضر في روايات أهل البيت عليهم السلام يحمل دلالة على التفاعل مع هذه المصيبة، هو الحزن والبكاء.
وقد أكّدت الروايات على استحضار مصيبة الإمام عليه السلام، وذكر ما جرى عليه في هذا اليوم، وإشعار القلب بالحزن، واستدرار الدموع، ابتداءً من حالة التباكي، ووصولاً إلى ذروة البكاء وشدّته، كتعبيرٍ عن عظم المصيبة التي وقعت في هذا اليوم:
فعن إمامنا الرضا عليه السلام في حديثه لابن شبيب: "يا بن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش"(4).
وعن إمامنا الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ البكاء والجزع مكروهٌ للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ عليهما السلام، فإنّه فيه مأجور"(5).
وفي دعائه عليه السلام وهو ساجد: "وارحَم تلك الأعين التي جَرت دموعُها رَحمةً لنا، وارحَم تلك القلوب التي جَزَعت واحتَرقت لنا، وارحَم الصرخة التي كانت لنا..."(6).
ويروى عن إمامنا الرضا عليه السلام في وصفه لحالة أبيه الإمام الكاظم عليه السلام قوله: "كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر، كان ذلك اليوم؛ يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين صلوات الله عليه"(7).
وأمّا حالة إمام زماننا عجل الله تعالى فرجه الشريف، فيمكن استشعارها من زيارة الناحية المقدّسة المنسوبة إليه: "فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً، حسرةً عليك وتأسّفاً على ما دهاك وتلهّفاً، حتّى أموت بلوعة المصاب، وغصّة الاكتياب"(8).
السلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ورحمة الله وبركاته. الشيخ بسّام محمّد حسين
1- الأمالي، الصدوق، ص 177؛ واللهوف، ابن طاووس، ص 11. 2- (م. ن.)، ص 547. 3- علل الشرائع، الصدوق، ج 1، ص 177. 4- الأمالي، (م. س.)، ص 192. 5- كامل الزيارات، ابن قولويه، ص 201. 6- الكافي، الكليني، ج 4، ص 583. 7- الأمالي، (م.س)، ص191. 8- المزار، ابن المشهدي، ص501. |