السبت 23/11/2024  
 الإصلاح جهاد متواصل..

الإصلاح جهاد متواصل..
أضف تقييـم
إنّ عمليّة الإصلاح ليست عمليّة آنيّة وبرنامجاً مرحليّاً يبدأ بزمن وينتهي بزمن معيّن، بل هي عمليّة مستمرّة وجهد متواصل، فعمليّة الإصلاح هي جهاد مستمرّ.
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في "الأربعون حديثاً": "الإنسان هو ساحة صراع ونزاع مستمرّ بين معسكرين، يُريد أحدهما الانحطاط بالنفس إلى الظلام السفليّ، ويُريد الآخر رفعها إلى الأنوار العلويّة والسعادة الأبديّة".
 
الثقة بالنفس
يجب أن نزرع الثقة بأنفسنا وبديننا وبطاقاتـنا وبهويّتنا، لأنّ ذلك هو بداية الإصلاح في هذا الزمن الّذي انبهر فيه الناس بكلّ ما هو غربّي، حتّى لو كان مجرد فساد وانحـراف. فعليـنا فـي البداية أن نحمي مجتمعاتنا من هذه التبعيّة العمياء. وهذا لا يحصل ما لم يثق المجتمع بنفسه ويُبادر بنفسه للمعرفة الصحيحة والمسلكيّة المناسبة، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "علينا أن نعتقد أنّنا كلّ شيء، وأنّنا لسنا أقلّ من سوانا، فنحن مطالبون بالعثور على هويّتنا الّتي قد أضعناها"([1]).
 
ويقول قدس سره: "لا يظنّنّ شبابنا أنّ كلّ شيء موجود في الغرب، وأنّهم لا يملكون شيئاً"([2]).
 
الترغيب والترهيب
سياسة الترغيب والترهيب (أو كما يقال عنها: سياسة العصا والجزرة) من السياسات المعروفة في هذا الزمن. فالترغيب لوحده غير كافٍ؛ لأنّ بعض الناس وصل فيهم الفساد والمرض إلى درجة كبيرة حتّى صاروا يفضلونه على أيّ ترغيب يمكن أن يقوم به الإنسان، وكذلك سياسة العصا والترهيب ليست كافية لأنّها ستولّد في نهاية الأمر انفجاراً وانقلاباً على كلّ شيء عند أدنى مناسبة.
 
فلا بدّ من المحافظة على التوازن بين هذين الأمرين، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "الأنبياء العظام السابقون والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الوقت الّذي يحملون فيه الكتب السماويّة في يد من أجل هداية الناس، كانوا يحملون السلاح في اليد الأخرى، فإبراهيم عليه السلام كان يحمل الصحف في يد، والفأس في يد أخرى للقضاء على الأصنام، وكان كليم الله موسى يحمل التوراة في يد والعصا في يد أخرى، تلك العصا الّتي أذلّت الفراعنة، وتحوّلت إلى أفعى وابتلعت الخائنين، وكان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يحمل القرآن في يد والسيف في الأخرى"([3]).
  
الاهتمام بجيل الشباب
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ الإسلام يولي تهذيب الأطفال والشبّان أهميّة لا يوليها أيّ شيء آخر"([4]).
 
"من شبّ على شيءٍ شاب عليه". إنّ لسنّ الشباب أهميّة خاصّة لأنّه في هذه السن يحدّد الإنسان مبتنياته ومنهجيّته ومسلكيّته، فإصلاحه في هذا العمر أسهل وأصلب من تركه لإصلاحه بعد ذلك.
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "أيّام الشباب هي ربيع التوبة حيث الذنوب أقلّ ثقلاً، وحيث كدورة القلب والظلمة الباطنيّة أقلّ، وحيث ظروف التوبة أسهل وأيسر"([5]).
 
فهؤلاء الشباب هم علماء ومسؤولو المستقبل، وبأيديهم ستكون الأمور، فإن كانوا صالحين صلح المجتمع، يقول الإمام قدس سره: "إنّ هؤلاء الشبّان الّذين يُفترض أن يحافظوا في المستقبل على هذا البلد ويديروا شؤونه، يجب أن يصلحوا ويتربّوا تربية صحيحة"([6]) .
 
الإعلام
إنّ الإعلام له أهميّته الخاصّة في الإصلاح وفي تأمين الأجواء المناسبة له، ودفع الناس وتشجيعهم عليه وعلى ترك الفساد، فهو قادر على مخاطبة العقول والقلوب، وتعليم الممارسة وإيصال الرسالة بشكل عمليّ، من خلال النماذج الفنيّة الّتي يعرضها، حتّى قال عنه الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ مسألة الإعلام من الأمور المهمّة إلى درجة يُمكن معها القول إنّ الإعلام قد احتلّ المرتبة الأولى بين القضايا الأخرى في العالم، بل يمكن القول إنّ الدنيا إنّما تقوم على عاتق الإعلام"([7]).
 
وقد أوصى الإمام الخمينيّ قدس سره وأكّد على الاستفادة من الإعلام: "وصيّتي لوزارة الإرشاد في كلّ العصور ـ وخصوصاً في العصر الحاضر الّذي يتحلّى بخصوصيّة معينة ـ السعي لتقويّة إعلام الحقّ ضدّ الباطل"([8]).
 
ويجب الاستفادة من كلّ وسائل الإعلام المتاحة، المرئيّة والمسموعة والمكتوبة. وعندما يتحدّث الإمام قدس سره عن المطبوعات يقول: "إنّ أهميّة المطبوعات مثل أهميّة الدماء الّتي تراق في الجبهات، وإنّ مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء"([9]). "يجب أن تكون المطبوعات مراكز للهداية"([10]).
 
وعن الإذاعة والتلفزيون يقول: "إنّ دور الإذاعة والتلفزيون اليوم أكبر من دور جميع الأجهزة الأخرى...، يجب أن تكون الإذاعة والتلفزيون مربّياً لشبابنا، ومربّياً للشعب"([11]).
  
الاستفادة من المناسبات السنويّة
هناك محطّات ومناسبات تمرّ كلّ سنة يكون الناس فيها أكثر استعداداً لتقبّل الحقّ والصلاح وترك المنكر والباطل. هذه المحطّات هي نعمة إلهيّة يجب تفعيلها والاستفادة منها في الإصلاح على أكمل وجه ممكن، ولعلّ أهمّها محرّم الحرام وشهر رمضان المبارك.
 
يتحدّث الإمام الخمينيّ قدس سره عن محرّم ويؤكّد على أهميّة إحيائه، حيث يقول في بعض كلماته: "أحيوا ذكر واقعة كربلاء، وأحيوا ذكر الاسم المبارك لسيّد الشهداء، فبإحيائهما يحيا الإسلام"([12]).
 
ويتحدّث عن شهر رمضان المبارك: "ينبغي أن تكون المساجد محالَّ للتربية والتعليم ـ بالمعنى الحقيقيّ وبجميع الأبعاد ـ في شهر رمضان المبارك"([13]).
 
ويُشير إلى خصوص إحياء ليالي القدر وأثرها على الإنسان: "عندما يحيي المسلمون ليالي القدر ويناجون ربّهم، فإنّهم إنّما يفكّون أسرهم من قيد العبوديّة لغير الله تعالى، ويتحرّرون من قيد شياطين الجنّ والإنس ليدخلوا في العبوديّة لله وحده"([14]).
 
آداب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره حول آداب الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر:
"ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في أمره ونهيه ومراتب إنكاره كالطبيب المعالج المشفق، والأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب، وأن يكون إنكاره لطفاً ورحمة عليه خاصّة، وعلى الأمّة عامّة، وأنّ يجرّد قصده لله تعالى ولمرضاته، ويخلص عمله ذلك عن شوائب الأهوية النفسانيّة وإظهار العلوّ، وأن لا يرى نفسه منزّهة، ولا لها علوّ أو رفعة على المرتكب، فربّما كان للمرتكب ولو للكبائر صفات نفسانيّة مرضية لله تعالى أحبّه تعالى لها وإن أبغض عمله، وربّما كان الآمر والناهي بعكس ذلك وإن خفي على نفسه.
 
من أعظم أفراد الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشرفها وألطفها وأشدّها تأثيراً وأوقعها في النفوس، لا سيّما إذا كان الآمر أو الناهي من علماء ورؤساء المذهب أعلى الله كلمتهم وأن يكون لابساً رداء المعروف واجبه ومندوبه، ومتجنّباً عن المنكر بل المكروه، وأن يتخلّق بأخلاق الأنبياء والروحانيين، ويتنزّه عن أخلاق السفهاء وأهل الدنيا، حتّى يكون بفعله وزيّه وأخلاقه آمراً وناهياً، ويقتدي به الناس"([15]).
وهذه الوصايا هي موجّهة لكلّ من يتصدّى لمهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعلينا أن نلتفت إليها جيّداً حتّى نكون أهلاً لأداء هذه الوظيفة بالشكل المطلوب والصحيح.
 
إصلاح المجتمع، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
عدد المشـاهدات 1383   تاريخ الإضافـة 19/05/2021 - 15:28   آخـر تحديـث 22/11/2024 - 14:05   رقم المحتـوى 18030
 إقرأ أيضاً