الموعظة القرآنية: قال الله تعالى: ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمً﴾1. تمهيد يتمتّع المجاهدون في سبيل الله بمنزلة فريدة في الرؤية الإسلامية، تُميّزهم عن سائر المؤمنين، حيث بيّنت الآيات والروايات ذلك المقام الفريد والأجر العظيم: المكانة الرفيعة للمجاهدين المؤمنون الحقيقيون: لقد عظّم القرآن المجيد شأن المجاهدين بوصفه إياهم بصفة: "المؤمنون الحقيقيون" وهو ما يشير إلى رفعة مقامهم عند الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾2. أفضلية المجاهدين على غيرهم: وصرّحت بعض الآيات بأفضلية المجاهدين على القاعدين، وأشارت إلى علو منزلتهم: ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمً﴾3. أحباب الله تعالى: وبيّن القرآن المجيد أنّ المجاهدين الذين يقاتلون صفّاً محكماً في سبيل الله، ينالهم حبّ الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾4. وأشار القرآن العزيز أيضاً أنّ من شؤون هؤلاء المجاهدين وخصوصياتهم أنّهم منفّذوا الإرادة الإلهية، حيث يُنزل الله تعالى العذابَ بأعدائه بواسطتهم، فيهلكهم: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾5. دعاؤهم مستجاب: وفي حديثٍ أنّ دعاء المجاهدين وحاجاتهم مستجابة عند الله: حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاثة دعوتهم مستجابة أحدهم الغازي في سبيل الله"6. أهل الجنّة وقوّادها: كما ويتمتّعُ المجاهدونَ كذلك بمنزلة خاصة في الجنّة، مثلما أشار النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنّ لهم باباً من أبواب النعيم يدخلون منه وحدهم، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: "للجنّة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم"7. فكما يكون المجاهدون سبّاقين في الدنيا، كذلك يكونون في الدار الآخرة وبيتِ الضيافة الإلهية طلائعَ الداخلين، حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المجاهدون في سبيل الله قُوّادُ أهل الجنة"8. وعن الإمام علي عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حملة القرآن عرفاء أهل الجنّة والمجاهدون في سبيل الله قوّادها والرّسل سادة أهل الجنّة"9. حسناتهم لا تحصى: ومن فضل المجاهدين ومنزلتهم عند الله تعالى أنّه حتى الملائكة تعجز عن إحصاء حسناتهم وثوابهم عند الله. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "كلّ حسنات بني آدم تحصيها الملائكة إلا حسنات المجاهدين فإنّهم يعجزون عن علم ثوابها"10. أهل العبادة المستمرة: ومن كرامة المجاهدين عند الله عزّ وجلّ أنّه جعل حركاتهم وسكناتهم كلّها عبادة وطاعة في سبيل الله، عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مثل المجاهدين في سبيل الله كمثل القائم القانت لا يزال في صومه وصلاته حتى يرجع إلى أهله"11. أجر المجاهدين العظيم الهداية الخاصة: يستفيد المجاهدون من هداية خاصة ليس للآخرين من نصيب فيها، وهي جزاء وثواب جهادهم المستمر في سبيل الله حيث يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾12. وهذه الهداية الخاصة ميزتها الأساس أنّها تهدي إلى صراط الحقّ وسبيله غفران الذنوب: يُعدّ غفران الذنوب أجراً آخراً يمنّ الله تعالى به على المجاهدين، حيث أكّد سبحانه على ذلك، فقال: ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾13. النعيم الخالد في الآخرة: لقد تفضّل الله تبارك وتعالى بإعطاء الجنّة للمجاهدين، حيث قال: ﴿أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾14. وقد عُبّر في بعض الآيات عن أجر المجاهدين الأُخروي بتعبير "الرزق الحسن" والمدخل الكريم: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾15. الرحمة والرضوان الإلهيين: إنّ إعلان الرضا الإلهي عن عباده المجاهدين لهو بحقّ أعظم النعم على الإطلاق، حيث قال تعالى: ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾16. ومن المناسب الالتفات إلى هذه الملاحظة، وهي أنّ الله تعالى في مقام إعطاء المجاهدين أجورهم، قد شاء أن يعاملهم بفضله، ولهذا فقد وعدهم بقوله: ﴿وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾17. وقد ذُكِرَ في تفسير الشقّ الأخير من الآية ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾18 رأيان، كلاهما يكشفان عن أبعاد ما يناله المجاهدون في سبيله: الأول: أنّ جهاد المجاهدين يعتبر أفضل أعمال حياتهم، وسوف يعطيهم الله ما يليق بهذه الأعمال من أجر. الثاني: أنّ ما يُعطى للمجاهدين من أجر إلهي هو أفضل وأرفع شأناً من أعمالهم، وسوف يجزيهم الله على أساس أفضل ما أنجزوه وقاموا به مقامُ الجرحى لقد وقع جرحى الجهاد محلّاً للثناء والإجلال في بعضِ الروايات، وذلك بغضّ النظر عمّا ينالونه كمجاهدين من الوصول إلى مقام الجهاد المعنوي الشامخ، وما يتمتّعون به من أجرٍ وثوابٍ. وإضافة إلى ما ينكشفُ لنا من حقيقة أجر الجرحى في هذه الروايات، يتّضح لنا أيضاً عظمة مقامهم ورفعته فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من جُرِحَ في سبيل الله جاء يوم القيامة ريحه كريح المسك ولونه لون الزعفران، عليه طابع الشهداء، ومن سأل الله الشهادة مخلصاً أعطاه الله أجر شهيد وإن مات على فراشه"19. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ جبرائيل أخبرني بأمر قرَّت به عيني وفرح به قلبي. قال: يا محمد من غزا غزوة في سبيل الله من أمّتك فما أصابته قطرة من السماء أو صداع إلاّ كانت له شهادة يوم القيامة"20. ومن البديهي أنّه إذا كان لألم الرأس في ساحة الجهاد مثل هذا الأجر، فالإصابة بالجروح أو تقديم عضو من أعضاء البدن هو حتماً أعظم أجراً وأرفع شأناً. |