الأحد 1/12/2024  
 وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ

وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
أضف تقييـم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[1].
ثوابت صناعة النصر
إنّ صناعة النصر بالتضحية والدم والشهادة، هي ثقافة محمّديّة علويّة حسينيّة، تعلّمها المجاهدون في سبيل الله من بدر وخيبر وعاشوراء، حيث القوّة والثبات والعزيمة والشجاعة، حيث انتصار الدم على السيف، والعزّة على الذلّة، والثبات والإرادة على الهزيمة والانقياد للظالمين. وتعتمد هذه الثقافة في مواجهة الظالمين والمستكبرين على مجموعةٍ من الثوابت، أهمّها:
1. الإيمان بالله وسلامة العقيدة
إنّ الإيمان ليس قولاً فقط، بل هو عقيدة وعمل وأمل وثقة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان»[2]. والله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿إنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أقْدَامَكُمْ﴾[3]، ويقول أيضاً: ﴿ولَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عزيزٌ﴾[4]، ونصرة الله إنّما تعني نصرة دينه، ونصرة نبيّه (صلّى الله عليه وآله) وشريعته وتعليماته[5]، ويبيّن الله تعالى ذلك في الآية الّتي تليها، إذ يقول: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾[6]، وقد أكّد الله تعالى نصرة هؤلاء المؤمنين الّذين ينصرونه، بل جعلها من المسلّمات في كتابه العزيز، فقال: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[7].
وإنّ عنصر الإيمان وسلامة العقيدة، على جانبٍ كبيرٍ من الأهمّيّة، إذ إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقي في قومه يبلّغهم دعوته قرابة خمس عشرة سنة، وكان أصحابه يلاقون الذلّ والهوان وأشكال العذاب وصنوف البلاء من أعدائهم طوال بقائهم في مكّة، وكانوا يتحمّسون لردّ العدوان الواقع عليهم، ولكنّ القرآن لم يأذن لهم بذلك؛ لأنّهم كانوا في مرحلة التربية على العقيدة وترسيخ مبادئ الإيمان في نفوسهم، حتّى إذا ما تغلغل اليقين الّذي لا يخالجه شكّ، واطمأنّت نفوسهم بالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، أُذِن لهم بالقتال، فقال الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[8].
الإيمان وثبات العقيدة يغلبان العدد والعتاد
وحينما ثبت الإيمان في قلوبهم، وترسّخت العقيدة في صدورهم، كان لذلك أثره البالغ والعظيم في أرض المعركة، إذ عندما التقى المسلمون بأعدائهم في معركة بدر، لم تثبت للكفر قوّة أمام هذا اليقين الراسخ، بل صار الكفّار أمامهم هباءً منثوراً، ولم تعد لكثرة العدد والعتاد دخالة فاعلة في الانتصار والغلبة؛ فاليقين الّذي كان يندفع به المسلمون إلى المعركة، والنابع من الإيمان الثابت والعقيدة الراسخة، كان أمضى بكثيرٍ، وأكثر فعاليةً وتأثيراً من العدد والعتاد، إذ كانوا جند الله الّذين اندحرت أمامهم جنود الكفر.
2. التوكّل على الله والأخذ بالأسباب
إنّ التوكّل على الله مع إعداد القوّة من أعظم عوامل النصر، فالله تعالى يقول: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾[9]، ويقول سبحانه أيضاً: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾[10]، ولا بدّ في التوكّل من الأخذ بالأسباب؛ لأنّ التوكّل يقوم على ركنين أساسيّين؛ الأوّل هو الثقة بوعد الله تعالى ونصره للمؤمنين، والثاني الأخذ بالأسباب الطبيعيّة، من التخطيط والتدريب والتجهيز ومعرفة العدوّ وخططه وتقنيّاته، قال تعالى: ﴿وأَعِدُّوا لهمْ ما استطعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾[11]، والقوّة هنا تشمل القوة المادّيّة، والقوّة العلميّة، والقوّة الروحيّة، والقوّة الأخلاقيّة، حتّى يكون أهل الإيمان أقوى من أعدائهم لِيُرْهِبُوا أولئك الأعداء.
3. استشعار روح الجهاد والشهادة
بالاعتقاد بأنّ الجهاد والدفاع واجب كبقيّة الواجبات، بل من أهمّها، ويحتلّ مكانةً مرموقةً بين العبادات الشريفة، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «ألا أخبرك بالإسلام؛ أصله وفرعه وذروة سنامه؟»، قلت: بلى، جُعِلت فداك! قال: «أمّا أصله فالصلاة، وفرعه الزكاة، وذروة سنامه الجهاد»[12]. وقد فرضه الله على كلّ قادر، دفاعاً عن المقدَّسات والحرمات، وعن العقيدة والمبدأ، وعن الحِمَى والوطن، وقد جاء في القرآن آياتٌ كثيرة تحثُّ على استشعار روح هذا الجهاد، قال تعالى: ﴿والذينَ جاهدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾[13]، وقال أيضاً: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ﴾[14].
ولا بدّ من الإيمان بأنّ الشهادة حياة، وأنّ الشهداء أحياء عند ربّهم، وقد زخرت آيات الكتاب العزيز، واستفاضت السنّة الشريفة في الحديث عن فضل الشهادة ومكانة الشهداء، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[15]، وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «ما من أحدٍ يدخل الجنّة فيتمنّى أن يخرج منها إلّا الشهيد، فإنّه يتمنّى أن يرجع فيُقتل عشر مرّات، ممّا يرى من كرامة الله»[16].
كما ينبغي مضافاً إلى الإيمان والاعتقاد النظريّ، تربية النفس وتهيئتها للشهادة، وقد صرّح النبي (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين بحبّهما للشهادة والقتل في سبيل الله، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «والّذي نفسي بيده، لوددت أن أغزوَ في سبيل الله فأُقتل، ثمّ أغزو فأُقتل، ثمّ أغزو فأُقتل»[17]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «... فوالله، إنّي لعلى الحقّ، وإنّي للشهادة لَمُحبّ»[18].
4. الشجاعة والبطولة والتضحية
إنّ من أسباب النصر الاتّصاف بالشجاعة والتضحية بالنفس، والاعتقاد بأنّ الجهاد لا يقدّم الموت ولا يؤخّره، قال الله تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾[19].
لهذا، كان أهل الإيمان الكامل أشجعَ الناس، وأكملهم شجاعةً وإقداماً الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وقد ظهرت شجاعته في المعارك الكبرى، ففي معركة بدر، عبّر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن شجاعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قائلاً: «لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو أقربنا إلى العدوّ، وكان من أشدّ الناس يومئذٍ بأساً»[20]، وعنه (عليه السلام): «كنّا إذا حمي البأس، ولقي القوم القوم، اتّقينا برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلا يكون أحد أدنى إلى القوم منه»[21].

عدد المشـاهدات 49   تاريخ الإضافـة 06/11/2024 - 12:12   آخـر تحديـث 30/11/2024 - 17:37   رقم المحتـوى 26416
 إقرأ أيضاً