من أكبر النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده نعمة الأخوة في الله، التي سببها الإيمان، فهي قائمة على أوثق عرى الإيمان كما في الحديث عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الإيمان أَنْ تُحِبَّ فِي الله وتُبْغِضَ فِي الله وتُعْطِيَ فِي الله وتَمْنَعَ فِي الله"[1]. العروة الكوز ونحوه والمراد بها هنا الأحكام والأخلاق والآداب اللازمة للإيمان على سبيل المكنية والتخييلية أي كل عروة يتمسّك بها متمسّك رجاء نجاة من مهلكة أو ظفر بغنيمة ونعمة ومنزلة، فأوثقها الحبّ في الله والبغض في الله والإعطاء في الله والمنع في الله، لأنّ من تمسّك بها تكامل إيمانه واستقام لسانه واستقرّ جنانه، وبه يتحقّق التودّد والتآلف بين المؤمنين، ويتمّ ويكمل نظام الدنيا والدين، فهذه العلاقة هي أسمى علاقة وأقوى رابطة يمكن أن تكون في مجموعة من البشر، لأنّ لها سببًا سماويًّا رفيعًا، وما دونها من علاقات النسب والمصاهرة قد لا تبلغ معشار ما فيها من خير، فهي علاقات جبرية تنقصها أحيانًا الرابطة الإيمانية التي تهزّ القلب وتغيّر توجهاته. إنّ للأخوّة الدينيّة دورًا رائدًا في بناء الشخصيّة المؤمنة، حيث تساعدها على الاتّصاف بمجموعة من الفضائل وتشعرها بمسؤوليّة ولو على نطاق خاصّ، انطلاقًا من معرفة ما لها من مدلول وعمق في الإسلام، فيعرف الإنسان قدره من خلال معرفة قدر أخيه وما له من حقّ عليه. ويكون الالتزام بآداب العلاقة بالآخرين باعثًا على إنتاج صورة متكاملة ومسلك مستقيم، أوّل المستفيدين منه صاحب هذا الدور مع ما يتركه من ذكر حسن وسمعة طيّبة، إن هو بقي على ما بدأ به في بداية الطريق. لذلك من وُصِفَ بأنّه أخٌ حقًّا وصِدقًا، بحيث إنّه أقام حدود الأخوّة وراعى حقوقها والتزم آدابها، فهو على الصعيد الفرديّ في سعادة وتقدّم دائمين، كما أنّ النجاح في هذه المدرسة الأخويّة سيفتح له نجاحًا في مدارس ومجالات أخرى، ربما اتّسعت ميادينها إلى ساحة حياته جمعاء، وأمّا إذا لم يوفّق لاكتساب الإخوان وفشل في هذه المهمّة الّتي تعتبر مفصلًا في دورة حياته، فإنّ ذلك سيترك عوامل سلبيّة ونتائج غير مرضية سرعان ما تظهر في كثير من قضاياه وربما حوّلتها إلى مشاكل مستعصية، لا سيّما وأنّ هذا العجز ليس بالشيء الّذي يُمكن التغاضي عنه، وقد اعتبره أمير المؤمنين عليه السلام خطيرًا ووصف صاحبه بأعجز الناس، يقول عليه السلام: "أعجزُ الناسِ من عجزَ عن اكتسابِ الإخوانِ، وأعجزُ منهُ من ضيّعَ من ظفرَ بهِ منهُم"[2]. |