أثر الإيمان في النصر الربط بين الإيمان والنصر من الأمور التي يمكن للإنسان أن يدركها. فالمؤمن يستند إلى ركنٍ وثيق هو الله، ويمتاز بدافع قويٍّ للتضحية لا يتوفّر عند غيره من الناس، فهو كما تقول الآية الشريفة: ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ﴾[1]. فاختلاف الرجاء والغاية التي يسعى الإنسان من أجلها تؤثّر في الدافع الذي يدفع الإنسان إلى التضحية وبذل النفس من أجله. وخاصّة إذا أخذنا بالاعتبار أنّ المؤمن يطلب إحدى الحسنيين كما تقدّم فإن انتصر فبها ونعمت وإن استشهد فإنّه ينقلب إلى ربٍّ غفور، فهو يعتقد أنّ بين حالين كلاهما حسن، ومن ينظر إلى الأمور بهذه الطريقة لا يعرف اليأس إلى قلبه سبيلًا. والشرط الأساس في هذه الصفة حتّى تؤثّر أثرها أن تبقى اسمًا ورسمًا وأما إن تحوّلت إلى اسم خالٍ من المضمون فلا ينبغي توقّع تحقّق الوعد الإلهيّ بالنصر، فالنصر المجانيّ غاية لا تدرك وبغية لا تُنال: "والحكم أعني النصر والغلبة حكم اجتماعيّ منوط على العنوان لا غير, أي إنّ الرسل وهم عباد أرسلهم الله والمؤمنون وهو جند الله يعملون بأمره ويجاهدون في سبيله ما داموا على هذا النعت منصورون غالبون، وأما إذا لم يبق من الإيمان إلا اسمه ومن الانتساب إلا حديثه فلا ينبغي أن يرجى نصرٌ ولا غلبة"[2]. وبالتالي قد يهزم المسلمون إذا فقدت أكثريّتهم الاتّصاف بهذه الصفة حتّى لو كان فيهم نبيّ من أنبياء الله تعالى: هناك جانب آخر لعمليّة التغيير التي مارسها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الأطهار، هذه العمليّة حينما تلحظ بوصفها عمليّة متجسّدة في جماعة من الناس وهم النبيّ والصحابة.. وبوصفها عمليّة قد واجهت تيّارات اجتماعية مختلفة من حولها واشتبكت معها في ألوان من الصراع والنزاع العقائديّ والاجتماعيّ والسياسيّ والعسكريّ... حينما تؤخذ العمليّة من هذه الزاوية تكون عمليّة بشريّة، يكون هؤلاء أناسًا كسائر الناس تتحكّم فيهم إلى درجة كبيرة سنن التاريخ التي تتحكّم في بقية الجماعات وفي بقيّة الفئات.. المسلمون انتصروا في بدر حينما كانت الشروط الموضوعيّة للنصر بحسب منطق سنن التاريخ تفرض أن ينتصروا، وخسروا المعركة في أحد حينما كانت الشروط الموضوعيّة في معركة أحد تفرض عليهم أن يخسروا المعركة... "لا تتخيّلوا أن النصر حقٌّ إلهيٌّ لكم، وإنما النصر حقٌّ طبيعيّ لكم بقدر ما يمكن أن توفّروا الشروط الموضوعيّة لهذا النصر بحسب منطق سنن التاريخ التي وضعها الله سبحانه وتعالى كونيًّا لا تشريعيًّا"[3]. العمل الصالح العمل الصالح السابق على النصر واللاحق له من العناصر المهمّة في استنزال النصر. وقد بيّن الله هذا الأمر في عددٍ من الآيات. ونكتفي باستعراض أقل عددٍ ممكنٍ من هذه الآيات لأنّ مفهوم الإيمان في القرآن الكريم من المفاهيم المقرونة بالعمل الصالح في كثير من الآيات. - قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾[4]. نلاحظ في هذه الآية أنّ النصر الذي يعد به الله تعالى مقيّدٌ بصفتين هما الإيمان والعمل الصالح. - قال الله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾[5]. تتحدّث الآية السابقة عن العمل الصالح السابق على النصر، وأمّا هاتان الآيتان فإنّهما تتحدّثان عن نصر الله لمن ينصره، ولكنّهما تقيّدان ذلك بما بعد النصر وتشترطان في هؤلاء الذين يدّعون الإيمان ويطلبون من الله النصر والتمكين أن يحافظوا على الصفات التي أهّلتهم لنيل النصر، وإلا فلن ينال النصر من الله من يضيّع ما أمره الله به. ولو فُرِض وحصل مثل هذا الأمر فإنّ الله يهدّد هؤلاء بالاستبدال بمن هو أهلٌ لأن يخصّه الله بنصره وتمكينه[6]. قال الله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾[7]. - قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾[8]، تشترك هاتان الآيتان في نكتة واحدة هي الوعد بفيض النعم الإلهيّة على بعض الناس لو أنّهم استقاموا على الشريعة التي شرّعها الله لهم، وأقاموا حدود الكتب السماويّة التي أتاهم بها أنبياؤهم. ووجه الربط بين هاتين الآيتين وبين النصر أنّ هذا الأخير نعمة من النعم الإلهيّة، وبناء على قاعدة "حكم الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد"، يمكن تعميم هذا الحكم من نعمة الأكل والشرب إلى غيرها من النعم كالنصر. |