إنّ عقل الإنسان يحكم كما فطرته وغريزته بضرورة توفير الاستعداد الكافي في أيام الصلح والسلّم، للتمكّن من الدفاع ومواجهة العدوّ وصدّه إن هو قام فجأةً بهجوم خاطف وسريع. وقد دلّت التجارب على أنّ الشعوب اليقظة والمستعدّة تمكّنت على الدوام من صدّ الحملات المفاجئة للعدوّ، وحفظت بقاءها واستمرار وجودها. وعلى العكس من ذلك، فإنّ الشعوب التي كانت تعيش الغفلة واللامبالاة، كانت تسقط دائماً ضحيّة لغفلتها وتتعرّض للهزيمة. والإسلام يأمر أتباعه أن يُعدّوا ما استطاعوا من قوّة لأجل الدفاع عن أنفسهم وأن يبقوا في جهوزيّة تامّة، وذلك قبل وقوع الحرب وظهور الحاجة إلى مستلزمات الدفاع. فقد صرّح القرآن الكريم بوجوب التجهّز والاستعداد، في قوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾[1]. فهذه الآية هي بلسان التحذير البليغ لكلّ المجتمعات الإسلامية من الغفلة عن الأعداء المعروفين بل وغير المعروفين أيضاً، ومن عدم الجهوزيّة المسبقة حتّى على مستوى التخطيط في مواجهة العدوّ. لأنّنا إن غفلنا فالعدوّ لن يدعنا وشأننا، وسيتحيّن الفرص للهجوم والانقضاض على البلاد الإسلامية. وإلى هذا أشار أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "من نامَ لم يُنَم عنه"[2]. فهذه الآية تريد أن تشير إلى أنّ هذا الأمر الإلهيّ بضرورة الإعداد شامل لآحاد المسلمين تماماً كما يشمل الحالة الاجتماعية وعلى رأسها الحكومة الإسلامية والعاملين عليها. وقد استخدمت الآية في بيانها لمعنى الجهوزيّة المطلوبة مفردتين اثنتين هما: "القوّة" و"رباط الخيل". والمقصود من "القوّة" هو كلّ شيء يؤدّي إلى تقوية المجاهدين في كامل تخصّصاتهم سواء على الصعيد الماديّ أم المعنويّ. ولأنّ هذا التعبير هو تعبير مطلق، نستنتج منه أنّه لا حدَّ لتنّوع هذه القوّة ومقدارها، وهي تشمل تهيئة كلّ الإمكانات اللازمة لتعلّم فنون القتال المختلفة، وهي تتبدّل بتبدّل الأزمنة، والميزان فيها أن تكون مناسبة لمواجهة العدوّ وفي الزمان والمكان المناسبين. وهذا ما يستفاد من الروايات التي تبيّن مصاديق هذه القوّة وبيان اتّساع معناها وشموله. فقد عُبّر عن هذه القوة في بعضها بتعبير "الرماية"، كما قيل أيضاً أنّ المقصود من القوّة هو "وحدة الكلمة والثقة بالله تعالى والرغبة في الثواب الإلهيّ"، وفُسِّرت بمعنى "الحصن"، وأحياناً فُسِّرت - كما في بعض الروايات - بالسلاح والسيف والترس، وحتّى بصبغ الشعر الأبيض للمجاهدين[3]. أمّا التَّعبير الثَّاني في الآية، وهو تعبير "رباط الخيل" (أي الخيل المربوطة والمستعدّة)، فيُعَدُّ أيضاً من مصاديق تلك القوّة. ولأنّ الخيل الأصيلة والسَّريعة كانت هي أفضل وسيلة للركوب والقتال في عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ذُكِرَت بعنوان النموذج الأفضل. وذِكْرُ هذا المصداق يستطيعُ أن يُرشدنا أيضاً إلى ضرورة إعداد أكثر العتاد الحربيّ تقدّماً وتأثيراً.
|