الثلاثاء 3/12/2024  
 الإيمان بالإسلام كعنصر قادر على التغيير والتجديد

الإيمان بالإسلام كعنصر قادر على التغيير والتجديد
أضف تقييـم
لا شكّ في أنّ إنسان العالَم الإسلاميّ ـ المعاصر ـ يؤمن بالإسلام بوصفه ديناً ورسالة من الله تعالى أنزلها على خاتم أنبيائه صلى الله عليه وآله وسلم، ووعد من اتّبعها وأخلص لها بالجنّة، وتوعّد المتمرّدين عليها بالنار.
ولكن هذا الإيمان يعيش في الجزء الأعظم من المسلمين عقيدة باهتة، حيث فقدت عبر عصور الانحراف كثيراً من اتقادها وشعلتها، وبخاصة بعد أن دخل العالَم الإسلاميّ عصر الاستعمار، وعمل المستعمرون من أجل تذويب هذه العقيدة وتفريغها من محتواها الثوريّ الرشيد.
ولذا لم يعد المسلمون يعكسون صورة الأمّة الإسلاميّة الّتي جعلها الله تعالى أمّة وسطاً كما قال في محكم كتابه العزيز: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ..."([1])، لأنّ المسؤوليّة (الخارجيّة) للأمّة الإسلاميّة أن تقوم بالشهادة على العالَم كلّه بحكم كونها أمّة وسطاً وشهيدة عليه، وما لم تتحمّل الأمّة هذه المسؤوليّة فلا معنى صحيح لوجودها.
وأيضاً لم يعد المسلمون يُمثِّلون خير أمّة أُخرجت للنّاس كما قال تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ" ([2])، لأنّ الأمّة الإسلاميّة ليست مجرّد تجميع عدديّ للمسلمين، وإنّما تعني تحمّل هذا العدد لمسؤوليّته (الداخليّة) على الأرض من خلال عمليّة البناء الحقيقيّ المتمثّل بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعدها يتحقّق الإيمان الحقيقيّ بالله تعالى ويتّقد شعلة في القلب لتشعّ على الآخرين، وإن لم تعد الأمّة الإسلاميّة كذلك فلا معنى لوجودها.
ولكن بالرغم من تلك العقيدة الإسلاميّة الباهتة، والّتي تُعاني منها الأمّة اليوم، إلّا أنّها تبقى حقيقة تُشكِّل عاملاً سلبيّاً في وجه أيّ إطار حضاريّ، أو نظام، أو مذهب اجتماعيّ لا ينبثق فكريّاً وإيديولوجيّاً من الإسلام، لأنّ هذه العقيدة الإسلاميّة تؤمن ـ ولو نظريّاً على الأقل ـ بأنّ كلّ إطار، أو نظام، أو مذهب لا يستمدّ قواعده من الإسلام فهو غير مشروع، وإن لم يُترجم ذلك الإيمان عمليّاً على الأرض.
وهذه الحقيقة يُمكن أن نلحظها حينما تنجح إحدى تلك الأنظمة أو المذاهب الوضعيّة في تسلُّم السلطة وقيادة المجتمع، ولكنّها سرعان ما تجد نفسها بعد فترة قليلة مرغمة على ممارسة ألوان من الإكراه، إذ يُدرك هذا النظام عجزه عن تجميع قوى الأمّة تحت لوائه ما لم يُمارس الإكراه، وكلّما زاد ممارسة الإكراه قابله المزيد من ردّة الفعل الجماهيريّ المقاوم لقبول شرعيّته ووجوده.
بينما يختلف الموقف اختلافاً أساسيّاً حينما يواجه النّاس أطروحة الدولة الإسلاميّة، والّتي تحمل الأمّة مسؤوليّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك استناداً إلى مبدأ الإيمان بالله إيماناً حيّاً مسؤولاً، إذ سرعان ما تتحوّل تلك العقيدة الباهتة من عامل سلبيّ إلى عامل إيجابيّ في عمليّة البناء الحضاريّ الجديد، لأنّ النّاس يجدون حينئذ في أطروحة الإسلام تجسيداً عمليّاً لعقيدتهم، ولئن كان الكثير من هؤلاء ليسوا على استعداد للتضحية وتحمّل الأذى في سبيل هذا التجسيد، فإنّهم عند تحقُّقه يجدون فيه أملهم الكبير، وعقيدتهم المقدّسة، وطموحهم الدينيّ، فسرعان ما يلتحمون معه التحاماً روحيّاً كاملاً، وسرعان ما تتحوّل تلك العقيدة الباهتة إلى عقيدة مشعّة، ممتلئة حيويّة وحركة ونشاطاً، وهكذا تُجنِّد طاقات الأمّة في عملية البناء الكبير بدون إكراه بل بروح الإيمان والإخلاص.
وتكفي بعض الأمثلة الصغيرة لتوضيح أبعاد هذا التحوّل المرتقَب، فالإسلام في ظلِّ العقيدة الباهتة أثبت قدرته مرّات عديدة على أن يجمع بطريقة عفويّة وباسم الجهاد أعداداً هائلة من المقاتلين، والّذين يلبّون الدعوة استجابة لعقيدتهم الدينيّة، بينما نرى أنّ الدولة الاعتياديّة لا تستطيع أن تجمع هذه الأعداد لأيّ معركة إلا باستعمال أقسى أساليب الضبط والسيطرة، فما ظنّكم بهذا الإسلام إذا امتلك القيادة الاجتماعيّة في الأمّة، وما هو التحوّل العظيم الّذي يُنجزه في مجال تعبئة الطاقات القتاليّة للأمّة!
إذاً مع قيام الدولة الإسلاميّة يوضع حدٌّ لمأساة الانشطار والتجزئة في كيان الفرد المسلم الّذي يفرض عليه ولاءات متعارضة في حياته، فإنّ المسلم الّذي يعيش في ظلِّ أنظمة تتعارض مع الإسلام يجد نفسه في كثير من الأحيان مضطّراً إلى ممارسة التناقض في حياته باستمرار، إذ يرفض ـ مثلاً ـ في المسجد وبين يدي الله ما يُمارسه في المتجر، أو المعهد، أو المكتب، وتستمرّ به هذه الحالة من دوّامة التناقض والولاءات المتعارضة، فلا يجد لها حلّاً إلّا بالتنازل عن المسجد لصالح ما يُمارسه في الحياة العامّة، فيُقاسي فراغاً روحيّاً يُهدّد المجتمع بالانهيار، وبهذا يتحوّل إلى طاقة سلبيّة ويفقد المجتمع بالتدريج قدرات أطهر أبنائه، وأنظف أفراده.
ولكن في ظلِّ الدولة الإسلاميّة الّتي تتّحد فيها الأرض مع السماء، والمسجد مع المكتب، فلن يكون الدعاء في المسجد تهرُّباً من الواقع بل تطلُّعاً إلى المستقبل، ولن تكون ممارسة الحياة اليوميّة الواقعيّة منفصلة عن المسجد بل مستمدّة من روحه وعبقه، فسوف تعود إلى الإنسان وحدته الحقيقيّة وانسجامه الكامل الّذي سيتجلّى في الإخلاص والصبر على متاعب الطريق (طريق ذات الشوكة).
عدد المشـاهدات 106   تاريخ الإضافـة 26/09/2024 - 11:06   آخـر تحديـث 03/12/2024 - 10:28   رقم المحتـوى 26090
 إقرأ أيضاً