عندما كانت سما تمشط شعرها، صُدمت بتساقط نسبة كبيرة منه وفي حينه شعرت بالخوف وبدأت بالبكاء والصراخ على والدتها لتسألها عن الأمر. ما إن تستيقظ الطفلة سما طبيل (8 أعوام) من قطاع غزة من النوم صباح كل يوم حتى تحمل مرآتها المكسورة لتنظر إلى شعرها لعله بدأ ينمو مجدداً. لكن الفتاة الصغيرة تصدم في كل مرة لأن شعرها لم ينبت مرة أخرى لتنظر بحسرة إلى المرآة وتقول "يبدو أنني لن أستعيد شعري أبدا (..) أنا حزينة للغاية لأنني فقدته وأصبحت فتاة صلعاء". وتضيف الطفلة بينما تقلب صورها الخاصة على هاتف والدتها المحمول "عندما أنظر إلى المرآة ولا أجد شعري أكره نفسي وأتمنى الموت". وقبل 5 أشهر، كانت سما تستمتع بشعرها الطويل، حيث كانت تصففه بمختلف التسريحات التي تجعلها تفتخر بين صديقاتها بأنها فتاة جميلة وتقول سما إنها فتاة تحب المرح واللعب وقضاء الوقت مع صديقاتها، رغم القصف والهجمات المستمرة، في محاولة للتغلب على الخوف الذي بداخلها. إلا أن حياتها انقلبت رأساً على عقب فجأة عندما هاجم جيش الاحتلال منزلاً قرب خيمة عائلتها التي نصبتها في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ما أجبر والديها على الفرار إلى أحد المستشفيات في المدينة. وتستذكر الطفلة الصغيرة ما حدث قائلة "كنت نائمة عندما أستيقظت على صوت مرعب لانفجار ضخم دون أن آخذ وقتي لإدراك ما يحدث، حملني والدي مع أختي وركض في الشوارع طالباً من أمي أن تتبعه". وتضيف سما بصوت مكسور "وصلنا إلى المستشفى لنختبئ بداخله، ظننا أنه مكان آمن لكن جيش الاحتلال هاجم سطحه وأمضينا ليلتنا تحت الهجمات الإسرائيلية المستمرة وكأن الموت يلاحقنا". ولحسن الحظ، نجت سما ووالداها وأخوتها من الهجوم وانتقلوا إلى مدينة خان يونس جنوب القطاع والمجاورة لرفح ظناً منهم أن المكان سيكون أكثر أماناً، لكن الانفجارات لم تتوقف وشعرت أنها ستموت في أي لحظة. قرار بعدم البكاء والخوف! ولكي لا تزعج والديها، قررت الطفلة عدم الخوف أو البكاء واحتفظت بمخاوفها داخل قلبها دون أن تتحدث حتى عن مشاعرها رغم الصدمة النفسية التي تعرضت لها. وبعد أيام قليلة، عندما كانت سما تمشط شعرها، صُدمت بتساقط نسبة كبيرة منه وفي حينه شعرت بالخوف وبدأت بالبكاء والصراخ على والدتها لتسألها عن الأمر. وقالت والدة سما، أم محمد، "في 3 أيام فقط، فقدت طفلتي حوالى 80% من شعرها، أخذتها إلى العديد من الأطباء للحصول على المساعدة وجميعهم أخبروني أن علاجها غير متوفر في غزة". وأضافت أم محمد وهي أم لثلاثة أطفال، "ما الذنب الذي فعلته طفلتي حتى تعاقب هكذا بتساقط شعرها؟ لا يجب أن يشهد أي من الأطفال مثل هذا الوضع الكارثي". لم أتحمل دموع ابنتي.. أصعب موقف بالنسبة لوالدة سما هو عندما تأتي طفلتها إليها وهي تبكي، حين يسألها البعض عما إذا كانت مصابة بمرض السرطان. وتابعت "لم أتحمل دموع ابنتي وبدأت أخبرها أنها ستعيد شعرها قريبا وفي كل وقت أقول لها إنها أجمل فتاة في هذا العالم". ودعت أم محمد كافة الجهات إلى مساعدتها في سفر طفلتها للعلاج خارج قطاع غزة لعدم توفره بسبب الحصار المستمر ونقص المستلزمات الطبية. وستحتفل سما بعيد ميلادها يوم 5 تشرين الأول/ أكتوبر وتأمل أن تتمكن من إستعادة شعرها قبل الاحتفال مع أصدقائها. وقالت سما "حتى لو لم أتمكن من الاحتفال هذا العام، أتمنى أن أفعل ذلك العام المقبل عندما تنتهي الحرب وأتمكن من السفر لتلقي العلاج". وأدى العدوان الإسرائيلي إلى مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 93 ألف شخص آخرين في غزة، بالإضافة إلى الدمار الهائل والأزمة الإنسانية الحادة، وفقا للسلطات الصحية في القطاع. طبيب: "سما" تعاني من تساقط الشعر الكربي ويقول الطبيب محمد العطار في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة والذي كان مشرفاً على علاج سما إن الطفلة "تعاني من تساقط الشعر الكربي وهو يحدث عادة للأشخاص الذين يعانون من ضغوط نفسية شديدة والتي تنتج عادة عن الخوف والصدمة". وأضاف "بسبب الصدمة والضغط النفسي الشديد، فإن عددا كبيراً من جُريبات الشعر قد تلجأ إلى الدخول في مرحلة ركود لفترة ليست بالبسيطة وهذا هو السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى تساقط الشعر والذي يتم ملاحظته بشكل كبير بعد ثلاثة أيام أو أسبوع من مرحلة ركود جريبات الشعر". وأوضح العطار أن العلاج الأساسي لاستعادة الشعر هو توفر البيئة المناسبة صحياً ونفسياً للمريض وتناول الأدوية اللازمة التي تساعد المريض على استعادة شعره. ولم تكن سما الحالة الوحيدة التي يعالجها العطار حيث أنه أشرف على عشرات الحالات التي قدمت إلى المستشفى طلبا للعلاج. ويقول إن "غالبية سكان قطاع غزة (كبار وأطفال) يعانون من تساقط الشعر بسبب الأوضاع النفسية التي يمرون بها بسبب الحرب ولكن بنسب متفاوتة". وأشار إلى أنه لا يمكن إيجاد إحصائية حول عدد الذين يعانون من تساقط الشعر الكربي في وقت الحرب وجميع الحالات سيتم إدراجها وإحصائها بعد انتهاء الحرب.
|