لا بد أن للمودة حكمة تقف وراءها حتى صارت نصاً قرآنياً وتأكيداً شرعي، فما السبب الداعي إلى المودة والحكمة الواقفة خلفها؟ هناك أكثر من سبب يمكن استعراضه لذلك، من هذه الأسباب: 1-أجر للنبي: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد حمل لهذه الأمة خير الدنيا والآخرة ورفعها من ذل الجاهلية إلى عز الإسلام، فصارت أهلاً للبشرى التي جاءها بها: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات، فمن الطبيعي أن نفكر في الأجر الذي يمكن إيصاله للنبي صلى الله عليه وآله جزاء على ما قدم، فمن فكر في جزاء النبي صلى الله عليه وآله وكيفية القيام بذلك أعطاه الله تعالى طريقاً لذلك هو محبة أهل البيت كما ورد في الآية الآنفة الذكر: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى). وإلى هذا المعنى أشير في دعاء الندبة حيث ورد فيه: "ثم جعلت أجر محمد صلواتك عليه وآله مودّتهم في كتابك، فقلت: لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى". 2-باعتبار ما قدموه عليهم السلام فقد نذر أهل البيت عليهم السلام حياتهم لخدمة دين الله تعالى إن من جهة بيان الأحكام الشرعية حتى كان النبي عليه السلام مدينة العلم وعلي صلى الله عليه وآله بابه، أو من جهة انتصار الإسلام حيث كان انتصار الإسلام بسيف علي عليه السلام أو لجهة استمراره بنهجه وروحيته حيث ضمن استمراره دم الحسين عليه السلام وما قدمه الإمام الحسن الشهيد عليه السلام تمهيداً لذلك وما بذله الأئمة عليهم السلام من بعده... كل ذلك يستحق من المسلمين الثناء والمحبة والارتباط القلبي. 3-باعتبارهم عليهم السلام السبيل إلى الله تعالى فصحيح أن مودتهم جاءت بلسان طلب الأجر من قبل النبي صلى الله عليه وآله ولكنه لم يطلب مودة أهل البيت عليهم السلام لكي يجرّ نفعا إلى نفسه بل النفع في نهاية المطاف عائد وراجع إلينا كما يؤكد القرآن الكريم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ شَهِيد﴾([1]). وإلى هذا المعنى أشير في دعاء الندبة حيث ورد فيه: "ثم جعلت أجر محمد صلواتك عليه وآله مودّتهم في كتابك، فقلت: لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى، وقلت: ما سألتكم من أجر فهو لكم، وقلت: ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيل، فكانوا هم السبيل إليك، والمسلك إلى رضوانك"([2]). والمقطع الأخير إشارة إلى قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾([3]). فعمق المودة لا يقف عند مسألة عرفان الجميل، بل يتعداها لتكون المودة هي السبيل الذي يصل من خلاله الإنسان إلى الارتباط بالله تعالى و طاعته ورضاه، وعلى ضوء ذلك نطرح السؤال التالي: المودّة كلام أو التزام؟ |