السبت 23/11/2024  
 من أحكام الثروة في الإسلام

من أحكام الثروة في الإسلام
أضف تقييـم
إنّ أحكام الثروة في الشريعة الإسلاميّة تُمثِّل جانباً بارزاً من الأوامر الإلهيّة الّتي تُحدِّد دور الإنسان ـ كخليفة الله على الأرض ـ ومدى التزامه وتطبيقه لها. وقد قدّم الإسلام هذه الأحكام من خلال صورتين:
إحداهما: الصورة الكاملة إسلاميّاً.
والأخرى: الصورة المحدّدة إسلاميّاً.
الصورة الكاملة
وهي الصورة التشريعيّة الّتي تُعطى إسلاميّاً في حالة مجتمع كامل يُراد بناء وجوده على أساس الإسلام، وإقامة اقتصاده وخلافته في الأرض على ضوء شريعة السماء.
الصورة المحدّدة
وهي الصورة التشريعيّة الّتي تُعطى إسلاميّاً في حالة فرد متديّن يُعنى شخصيّاً بتطبيق سلوكه وعلاقاته مع الآخرين على أساس الإسلام، غير أنّه يعيش ضمن مجتمع لا يتبنّى الإسلام نظاماً في الحياة، بل يسير وفق أنظمة اجتماعيّة وأيديولوجيّات عقائديّة أخرى.
والفارق بين الحالتين كبير وجوهريّ، وتبعاً لذلك تختلف الصورتان، ويُمكن أنْ نُلخِّص أهمَّ أسباب الاختلاف بين الصورتين فيما يلي:
أوّلاً: إنّ عدداً من الأحكام الثابتة في الشريعة الإسلاميّة يتجاوز قدرة الفرد، ويُعتبر حكماً موجّهاً نحو المجتمع. وهذا النحو من الأحكام لا موضع له في الصورة المحدّدة الّتي تَرسم للفرد المتديّن سلوكه الاقتصاديّ، بينما هي جزء أساس في الصورة الكاملة لاقتصاد المجتمع الإسلاميّ.
ومن أمثلة ذلك: وجوب إيجاد التوازن الاجتماعيّ في المجتمع الإسلاميّ، وهذا الوجوب يُمثِّل تكليفاً للمجتمع وليس له مدلول علميّ في التطبيق الدينيّ الفرديّ البحت.
ثانيّاً: إنّ المؤشّرات الإسلاميّة العامّة الّتي تُشكِّل أساساً للعناصر المتحرّكة في الاقتصاد الإسلاميّ، تدخل في تكوين الصورة الكاملة لاقتصاد المجتمع الإسلاميّ، إلّا أنّها - غالباً - لا تلعب أيّ دور في الصورة المحدودة لسلوك الفرد المتديّن، لأنّها ترتبط بصيغ تشريعيّة يصوغها وليّ الأمر - وفقاً لصلاحيّاته الشرعيّة وتجسيداً لمسؤوليّاته في قيادة المجتمع - على ضوء تلك المؤشّرات العامّة.
ومثال ذلك: الصيغ التشريعيّة الّتي يصوغها الحاكم الشرعيّ وفقاً لصلاحيّاته في مقاومة الاحتكار الاقتصاديّ بجميع أشكاله. فإنّ هذه الصيغ لا تنفصل عادة عن الدور القياديّ للحاكم الشرعيّ، وتكون مجمّدة في حالة فرد متديّن يعيش ضمن مجتمع غير ملتزم اجتماعيّاً بالإسلام.
ثالثاً: إنّ حالة الفرد المتديّن الّذي يعيش ضمن مجتمع لا يتبنّى الإسلام منهجاً للحياة، هي حالة معقّدة ومتناقضة بين تكليفه الشرعيّ والضرورات الّتي لا يجد لها سبيلاً في المجتمع غير الإسلاميّ.
مثال ذلك: موقف الفرد المتديّن من البنوك الحكوميّة في مجتمع يؤمن نظامه بالربا، وموقف المجتمع الإسلاميّ من البنوك ذاتها، فالأوّل قد يسمح له بأخذ الفائدة على ما يودعه في تلك البنوك باعتبارها مالاً مجهول المالك، وأما المجتمع الإسلاميّ فهو يرفض الفائدة رفضاً كاملاً، ويربط أرباح البنك بالعمل، وبما يُساهم به من جهد منتج في الحياة الاقتصاديّة.
أحكام الثروة بين الفقه الفرديّ والفقه المجتمعيّ:
في أكثر الرسائل العمليّة للفقهاء تُقدَّم عادة الصورة المحدودة والفرديّة، لأنّها تتعامل مع فرد متديّن يُريد أنْ يُطبِّق سلوكه على الشريعة رغم وجوده في مجتمع غير ملتزم بالإسلام منهجاً في الحياة.
ومن هنا لم تكن الصورة الّتي توحي بها تلك الرسائل العمليّة كافية لاستيعاب التصوّر الشامل لأهميّة الاقتصاد الإسلاميّ، وثماره المرجوّة في توفير السعادة والرفاه، ولكنّها ـ مع هذا ـ صورة لا غنى عنها، والهدف من تقديمها تحقيق ما يلي:
أوّلاً: تمكين الفرد المتديّن من طاعة ربّه والخروج عن عهدة التكليف في سلوكه الخاصّ.
ثانياً: الحفاظ عمليّاً على ما يُمكن للفرد المتديّن من الحفاظ عليه وتبنّيه في واقع الحياة، كتعبير حيّ عن الإيمان برسالة السماء، والإصرار على أنّها المنهج السويّ للحياة، وعن الرفض الضمنيّ لأيّ نظام اجتماعيّ آخر.
ثالثاً: تحقيق نصيب من العدالة الاجتماعيّة الّتي يتوخّاها الإسلام بالقدر الّذي تتّسع له قدرة الفرد المتديّن في مجال التطبيق، وقد يكون من أروع الأمثلة على ذلك الدور الإنسانيّ الربّانيّ الّذي تقوم به فريضتا الزكاة والخمس في مجال التكافل الاجتماعيّ ورعاية الفقراء البائسين.
عدد المشـاهدات 135   تاريخ الإضافـة 11/08/2024 - 11:46   آخـر تحديـث 22/11/2024 - 01:53   رقم المحتـوى 25799
 إقرأ أيضاً