يتسرب المفهوم الاجتماعي والمعالجة الطبقية للحمار من خلال اقتباسات جورج أورويل، ومن خلال قرار الفراجي بإظهار حيوانات ليست في العمل، ولكنها بدلاً من ذلك تمارس قوتها الخاصة بمهارة وهدوء. ترافق ذكر الحمار مع الكثير من المعاني التي اتّخذت طابع الفكاهة، والمرح، وقيل لشديد الكدح "حمار شغل"، ووصف الأبله بــ"الحمار"، وللصابر على مشقات الحياة قيل له "حمار"، وسواها من تعابير. الفنان العراقي، صادق كويش الفراجي، عايش تواجد الحمار في أحد أحياء بغداد، وتناوله بألفة وتعاطف لأنه حيوان أليف، ربما لأنه كان مترافقاً مع الانسان طوال وجوده، خدمه، وأراحه من الأشغال التي لا يقوى عليها. ساعد الحمار بني البشر في حراثة أرضهم، وتنقلاتهم، ونقل البضائع، وفي أشكالٍ أخرى من الأعمال القاسية كالبناء، والطحن، وضغط الزيتون، وبذلك اختلفت حياة الريفيين بين مُقْتَنٍ لحمار، وغير مُقْتَنٍ له. بنوع من التعاطف والتكريم، رسم الفراجي (1960) الحمار بصيغ مختلفة، واستضاف غاليري "تانيت" في بيروت أعماله ضمن معرض بعنوان "فحم وحبر وحمار"، حيث رسم اللوحات بأحجام مختلفة بالحبر والفحم، فكان المعرض بالأسود والأبيض. اعتمد الفراجي مصدرين للمعلومات لعمله الفني هما: حي الثورة الفقير في بغداد، وفي هجاء جورج أورويل السياسي في روايته "مزرعة الحيوان". يعرض الفراجي في لوحاته المجسمة والكبيرة بالحبر والفحم، جوانب مختلفة من الحمار، من الأمام، والجانب، والجلوس، والركل، وكأنه يريد إرسال بعض من المعارف من أشكاله وتصرفاته. كذلك، يدمج الفنان ذكريات طفولته التي كانت زاخرة بمعايشة ورؤية الحمير، والتجسيم الافتراضي للحمار، ورأى فيه كمراقب متشكّك للوقائع والتطورات، المحايد الرافض اتخاذ موقف في لعبة الصراعات السياسية. في جانب من هذه الأعمال، ينتقد الفراجي موقف اللاموقف متمثّلاً بالحمار، كأنه يريد التأكيد أن "الحمرنة" ليست موجودة في جذور العبودية للانسان فحسب. وفي حين أن اللوحات تجمع المرح بالكآبة، وتتحدث عن أفكار عامة لإظهار الحمير، فإنها تعيد أيضاً صياغة الحمار كمخلوق ناشط ومنتج. يتسرب المفهوم الاجتماعي والمعالجة الطبقية للحمار من خلال اقتباسات جورج أورويل، ومن خلال قرار الفراجي بإظهار حيوانات ليست في العمل، ولكنها بدلاً من ذلك تمارس قوتها الخاصة بمهارة وهدوء. وعلى العكس من ذلك، فإن سلسلة الرسومات الصغيرة والخشنة من حيث الأسلوب، والتي تحمل عنوان "حمار في الاستوديو الخاص بي"، غالباً ما تُظهر وحشاً يحمل أعباء ثقيلة. هناك توتر بين اللوحات والرسومات لم يجرِ فكّ طلاسمه. ربما تم إظهار موقف الفراجي الأكثر وضوحاً في الرسوم المتحركة القصيرة ذات الحركة المتوقفة: 21 صورة مصغّرة لحمار على اللوحة القماشية، وصورة شخصية (للفنان) مع حمار جورج أورويل، بحسب عنوان إحدى اللوحات. في الصورة الأولى نرى الحمار يمشي، وقد تضخمت خطواته، ويبدو بلا هدف ووجهته مجهولة. إنه يتحرك دائماً للأمام، بغض النظر عن الصعاب التي لا يدركها، وربما لأجل ذلك، وصف كل جاهل "حمار"، ولذلك أيضاً، قيل للحمار إنه "عنيد"، وللعنيد حمار. "صورة سيلفي مع حمار جورج أورويل" تصوّر الفنان مع حمار على قدم المساواة، مركّزةً على الجملة الأكثر شهرة في رواية أورويل: "كل الحيوانات متساوية،لكن بعض الحيوانات أكثر مساواة من غيرها"، مما يثبت الصداقة الحميمة بين الإنسان وغير الإنسان، ولكن الأهم من ذلك، الاعتراف. نقّاد الأدب شبّهوا دور الحمار في رواية "مزرعة الحيوانات" بشخصية أورويل المتغيّرة، المتشكك الفَطِن الذي يشهد الحياة ويسجلها. "الحمار"، يقول الفراجي، "هو أنا". يكشف في هذا التصريح الكثير عن ممارسته الفنية، وكيف ينظر إلى دور الفنان في المجتمع، كشخصية تشهد وتسجل. من الأعمال ما تعنونت: "ليس ثمة ما يستحق القراءة"، و"الحمير تفكّر أيضاً"، تطرح احتمالية الربط بين مفهوم "الحمرنة" الرائج، وتفاهة الكثير مما يُقرأ. أورويل اسم مستعار لأديب وصحفي لندني اسمه أريك أرثر بلير، وهو ناقد اجتماعي، داعم لفكرة الديمقراطية الاشتراكية. من أشهر كتبه "مزرعة الحيوان" التي تتبنى تلميحات لممارسات إنسانية على صيغة الحيوان. وصادق كويش الفراجي فنان متعدد الوسائط، يعمل في الرسم والتلوين والنحت والتصوير الفوتوغرافي والفيديو والرسوم المتحركة. درس الفن والتصميم الجرافيكي والفلسفة. بدأ مزاولة مهنته الفنية في الثمانينيات في بغداد، معتمداً على الكثافة التعبيرية للرسم، مع التركيز على أفكار ومفاهيم الوجود. عُرضت أعماله في العديد من المعارض الفردية والجماعية في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، في العشرات من الأماكن الفنية بما في ذلك المتاحف والمؤسسات الفنية مثل: المتحف البريطاني، والمتحف العربي للفن الحديث، ومتحف الفن الإسلامي (MIA)- الدوحة، ولوس أنجلوس، وبينالي البندقية السادس والخمسون والسابع والخمسون، ومتحف الفن الحديث والمعاصر بالجزائر (MAMA)، وأخرى في طوكيو، وهيوستن، وبوينس آيرس، وكوريا الجنوبية، والإمارات العربية المتحدة،، ولندن، ومعهد العالم العربي، باريس، وروسيا، ورومانيا، وألمانيا، ومدريد والدنمارك؛ وساو باولو، إلخ. كذلك، توجد أعمال الفراجي في العديد من المجموعات الخاصة والعامة في مختلف عواصم العالم العربي والغربي. |