الإثنين 29/4/2024  
 مرتكزات المنبر الحسيني الرسالي

مرتكزات المنبر الحسيني الرسالي
أضف تقييـم
يمثل المنبر بصورة عامة، والمنبر الحسيني بصورة خاصة، وسيلة مهمة لإيصال الأفكار والمفاهيم الدينية إلى الناس، وبيان الأصول الاعتقادية والمرتكزات الأخلاقية، وتوضيح الأحكام الشرعية ومقاصدها وعللها، وتفنيد الإشكاليات ورد الشبهات، والإجابة عن التساؤلات المثارة بين الفينة والأخرى.

ويعد المنبر الحسيني من أقوى الوسائل التبليغية، وأكثرها تأثيراً في الجمهور، كما يجتذب المنبر -وخصوصاً في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام من كل عام- ملايين الناس من مختلف بقاع الدنيا بما لا يستطيع أي ملتقى علمي أو محفل ثقافي أن يجتذب إليه مثل هذا العدد الضخم، ومن مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية.

والمنبر كما هو وسيلة لإيصال الأفكار إلى الناس، كذلك هو رسالة، ولذلك يجب أن نحافظ على مستواه العلمي الرصين، ومضمونه الديني العميق، وأن يقوم الخطباء والعلماء بتبليغ الرسالة بأمانة وشجاعة وحكمة وعلم ومعرفة.

من أجل أن يكون المنبر فاعلاً ومعبراً عن قلب الأمة النابض يجب مراعاة بعض القواعد ومنها “الإخلاص في العمل” الذي يعد شرطاً في قبوله، ففي العبادات لا يقبل أي عمل عبادي إذا لم يكن عن إخلاص النية لله تعالى، والإخلاص مطلوب بذاته في كل عمل ديني أو اجتماعي، والمنبر لأنه رسالة، لذلك على الخطيب أن يكون هدفه من ارتقاء المنبر هو الإخلاص لله تعالى، وخدمة دينه، وليس حب الشهرة والظهور، أو الحصول على الأموال الوفيرة، أو البحث عن الوجاهة…وما أشبه ذلك؛ لأن ذلك من محبطات العمل، ويسلب البركة والتوفيق الإلهي.

ولعل من أبرز تلك القواعد “تناول هموم وتطلعات الأمة” حيث تعاني الأمة الإسلامية من هموم ومشاكل تُشغل بالها، كما لديها الكثير من التطلعات والطموحات التي تسعى لتحقيقها. وعلى الخطيب الواعي أن يكون قريباً من هذه الهموم؛ فيقدم حلولاً للمشكلات والهموم المختلفة، كما أن عليه أن يزرع في الناس روح الأمل والتطلع للمستقبل، والحث على تحقيق تطلعات الأمة وطموحاتها، وتجاوز المعوقات التي تحول دون وصول الأمة لأهدافها المشروعة.

والمنبر يجب أن يكون معبراً بصدق عن الوجدان الديني للأمة من خلال تناول الخطيب للقضايا الدينية، ذاكراً الوجدان الشعبي والعاطفي لها من خلال ربطها بالقيم الدينية والأخلاقية، فالمنبر الناجح هو الذي يتناغم مع الهوية الدينية للأمة، ويتفاعل مع الروح العاطفية لها.

ولا يفوتنا ان نذكر قاعدة “الارتقاء بمستوى الوعي الاجتماعي العام” حتى يكون المنبر الحسيني قلب الأمة النابض عليه أن يرتقي بمستوى الوعي الاجتماعي العام، فالوعي يتطور بصورة تراكمية، فلو قسنا وعي مجتمعنا الآن بما كان عليه الحال قبل ثلاثة عقود فسنجد فرقاً هائلاً في مستوى الوعي، ولا شك أن للخطباء المتميزين أثرهم الفاعل في تكوين الوعي الاجتماعي عند الأمة، والارتقاء بثقافتها وعلمها وفهمها.

ومن الأخطاء الفاحشة أن يتقبل خطيب ما النزول عند رغبات بعض الناس أو ميولهم غير الصحيحة؛ فالخطيب مهمته نشر العلم، وتكوين الوعي، والقضاء على الخرافات والأساطير، وليس من الصحيح أبداً مسايرة الأخطاء الاجتماعية، أو التساهل أمام نقد الظواهر السلبية، بل يجب على الخطيب أن يكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾.

وأخيرا “اتباع أسلوب الحكمة والهدوء” حيث أمرنا القرآن الكريم بالدعوة إلى الله تعالى ولكن باتباع الحكمة والموعظة الحسنة، يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.

وخلاف الحكمة اتباع الأسلوب الخشن أو المقزز أو المستفز في الدعوة إلى الله، فإن ذلك يعطي انطباعاً سلبياً عن المنبر الحسيني، وعن الدعوة إلى الله تعالى، وينفر الناس من الدين.

ومن الحكمة أن يكون المنبر الحسيني جامعاً لا مفرقاً، موحداً لا مشتتاً، مقرباً للقلوب لا منفراً؛ وهذا يستلزم اتباع أسلوب الحكمة والهدوء في معالجة القضايا المطروحة للبحث، أو التي تحتمل أكثر من وجهة نظر.

ويمكن للمنبر الحسيني أن يكون فاعلاً في تهدئة النفوس، وترطيب القلوب إذا ما خلصت النية، وحسنت الوسيلة؛ إذ يجمع المنبر تحت أعواده كل التوجهات والتيارات الاجتماعية، بما يساعد على خلق ثقافة تؤمن بالتعايش والتحاور والتفاعل الإيجابي بين الناس.
عدد المشـاهدات 267   تاريخ الإضافـة 23/07/2023 - 12:16   آخـر تحديـث 27/04/2024 - 07:56   رقم المحتـوى 23575
 إقرأ أيضاً