لماذا يزداد بكاء الإنسان في شهر رمضان؟ لأنه مسرور جدّا. الإنسان الكئيب لا يبكي بل يبحث عن فرص الضحك واللعب، بينما الإنسان المسرور فيودّ أن يبكي. كالآباء والأمّهات بعدما زوّجوا أولادهم، فترى أعينهم تفيض من الدمع فرحا إذ قد أينعت ثمارهم.
كلّ من يدخل في مجالس ذكر الله أو مجالس ذكر أهل البيت (عليه السلام) يجب أن يعرف أن هؤلاء المؤمنين الحاضرين في المجلس هم في حالة سرور وبهجة شديدة. وهذا ما يدركه الناس في مجالس عزاء الحسين (عليه السلام)، إذ يدركون أنك أكثر من أن تحزن على الحسين (عليه السلام) تفتخر به وتعتزّ به! تفتخر وتقول: «حسين أميري ونعم الأمير»! فعينك تحكي عن مدى لذّتك وأنسك بذكر الحسين (عليه السلام) وهذا ما يدركه أكثر الناس. فعندما تبكي أو تصرخ أو تلطم على الحسين (عليه السلام) يدرك الناس أن وراء هذا الحزن الجميل الذي لا يؤدي إلى كآبة وعقد نفسية، سرور ممتدّ في أعماق قلبك. كالعقيلة زينب (سلام الله عليها) التي قالت: «مَا رَأَیْتُ إِلَّا جَمِیلا»([1]).
إن شهر رمضان لهو أفضل فرصة للتقرّب إلى الله سبحانه. وإنّ الحياة في مناخ القرب حياة مختلفة تماما!
أودّ أن أسألكم أيها الصائمون: أليس الإفطار فيه طعم خاص يختلف عن باقي وجبات الطعام؟! فهذا ما أشار إليه النبي (صلى الله عليه وآله) حيث قال: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ حِینَ یُفْطِرُ وَحِینَ یَلْقَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَل»([2]) كما أن حالة الحزن التي تعتريكم عند انتهاء شهر رمضان وفي عيد الفطر بسبب انتهاء هذا الشهر العظيم، يحكي عن هذا الشعور الجميل وهذه الفرحة التي يشعر بها الصائم في أيام شهر رمضان وعند الإفطار. فعزّزوا هذا الشعور في قلوبكم. كيف نستطيع أن نتقرّب في شهر رمضان أكثر من الحدّ الأدنى الذي يتقرّب فيه كلّ مؤمن أو مسلم؟ إذا أحيينا شهرَ رمضانٍ ولائيِّ سياسيِّ ثوريِّ حماسيّ. وإذا كان شهر رمضاننا مصحوبا بانتظار الفرج والنشاط الثوريّ، عند ذلك نتقرّب أكثر.
لماذا كان المجاهدون في جبهات الدفاع المقدّس يصلّون صلاة الليل؟ ولماذا كانوا يذوقون حلاوة صلاة الليل؟ لأنهم كانوا يجاهدون في سبيل الله. فإنكم إذا كرّرتم نفس الأذكار التي كان يردّدها المجاهدون لن تصلوا إلى ما وصلوا إليه، إلّا أن تصلّوا وتذكروا الله مثل المجاهدين. لقد كان المجاهدون يذكرون الله ويتوسّلون به لينجحوا عمليّاتهم. وكانت عمليّاتهم في الواقع عملا في سبيل الإسلام والمجتمع الإسلامي. فبإمكان الإنسان أن يحصل على هذا النور في ساحة النشاط الثوريّ والعمل السياسي والاجتماعي، وحريّ به أن يصلّي صلاة الليل ليوفّقه الله للنجاح في تلك الساحات. يقوم الليل ويصلّي لينجز مهمّته السياسيّة والاجتماعية بنجاح، فيتزوّد نورا بهذه الصلاة التي أقامها في جوف الليل.
يقول الله سبحانه: ﴿وَالَّذینَ جاهَدُوا فینا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا﴾([3]) وهداية الله ليست سوى الحياة في أجواء القرب، فترى يدك صارت يد الله وعينك عين الله وأذنك أذن الله، طبعا في مرتبتك وبحسب شأنك. سماحة الشيخ علي رضا بناهيان
([1]) اللهوف / 160 ([2]) من لا يحضره الفقيه / 2 / 75 ([3]) سورة العنكبوت: 69 |