الجمعة 29/3/2024  
 قيمة التراحم والتكافل في الإسلام

قيمة التراحم والتكافل في الإسلام
أضف تقييـم
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "... من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن سرّ مسلما ستره الله يوم القيامة".
 
الإسلام ليس منهج اعتقاد وإيمان في القلب فحسب، بل هو منهج حياة إنسانية واجتماعية واقعية، يتجسّد فيها الاعتقاد والإيمان ممارسة عملية في جميع جوانب الحياة ومتطلّباتها الفردية والاجتماعية، وذلك على مبدأ التراحم والتكافل والتناصح والمودّة والإحسان والتضحية والإيثار، قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾، وهذا ما يلزم الأفراد بالكثير من الواجبات تجاه بعضهم بعضا كأفراد، وتجاه المجتمع ككيان اجتماعي يحتضن الجميع، من أهمّها خدمة الناس وقضاء حوائجهم.
 
قضاء حوائج الناس تكليف اجتماعي
لقد وضع الإسلام منهجاً متكاملاً في العلاقات بين البشر، يقوم على أساس مراعاة حقوق أفراد المجتمع وبثّ روح التعاون والخدمة المتبادلة بينهم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[2]، فالتقيّد بهذا الأمر الإلهي يعصم الإنسان عن التقصير في حقوق الناس، ويدفعه للعمل الدؤوب في خدمتهم، وأداء مسؤوليّته تجاههم، وقد حثّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كلّ مسلم ليكون مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، من خلال الاهتمام بأمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبح لا يهتمّ بأُمور المسلمين فليس بمسلم" ودعا الإمام الصادق عليه السلام إلى الالتصاق بجماعة المسلمين، فقال: "من فارق جماعة المسلمين قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"
قيمة قضاء حوائج المؤمنين وخدمتهم
من جملة ما يؤكّد الإسلام عليه في معرض التكافل الاجتماعي، هو ضرورة قضاء حوائج المؤمنين بعضهم لبعض. وهذا ما نفهمه بوضوح من الأخبار، فإنّ خدمة المؤمنين:
أ- تبيح الجنّة: ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "أوحى الله عزّ وجلّ إلى داوود: إنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنّتي. فقال داوود: ياربّ وما تلك الحسنة؟ قال: يُدخل على عبدي المؤمن سرورا، ولو بتمرة. فقال داوود عليه السلام: حقٌّ لمن عرفك ألا يقطع رجاءه منك"
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله تعالى خلق خلقاً من خلقه، انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا، ليثيبهم على ذلك الجنّة. فإنْ استطعت أن تكون منهم فكن"
 
ب- أحبّ الأعمال إلى الله تعالى: عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه، قال: "سُئِل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: اتّباع سرور المسلم، قيل: يا رسول الله، وما اتّباع سرور المسلم؟ قال: شبعة جوعه، وتنفيس كربته، وقضاء دينه"

ج- يبشّر المؤمن يوم القيامة: وعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: "... إذا بعث الله المؤمن من قبره، خرج معه مثال يقدمه أمامه، فكلّما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة، قال له المثال: لا تجزع ولا تحزن، وأبشر بالسرور والكرامة من الله عزّوجل، فما يزال يبشّره بالسرور والكرامة من الله سبحانه حتى يقف بين يدي الله عزّ وجلّ، ويحاسبه حساباً يسيراً، ويأمر به إلى الجنّة، والمثال أمامه، فيقول له المؤمن: رحمك الله! نِعَم الخارج معي من قبري، ما زلت تبشّرني بالسرور والكرامة من الله عزّ وجلّ حتى كان ما كان، فمن أنت؟ فيقول له المثال: أنا السرور الذي أدخلته على أخيك المؤمن في الدنيا، خلقني الله لأبشرك"
د- أفضل من العبادة: ورد في العديد من الروايات أنّ خدمة المؤمنين بعضهم، وتعاونهم وترابطهم المادّي والمعنوي أفضل من بعض العبادات المستحبّة، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: "... لَقضاءُ حاجة امرئ مؤمن أفضل من حجّة وحجّة..." حتى عدّ عشر حجج.
وروي عن ذي الخُلق العظيم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "مَن قضى لأخيه المؤمن حاجة كان كمن عبد الله دهره"
 
فكم يكون سامياً ذلك المجتمع الذي يسعى، بل يهرع كلّ واحد لقضاء حوائج إخوانه بهذه الروحية العالية والنية الخالصة. ثمّ إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "والله، لقضاء حاجة المؤمن خير من صيام شهر واعتكافه"

[1] سورة المائدة، الآية 2.
[2] سورة النحل، الآية90.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص163، باب الاهتمام بأمور المسلمين والنصيحة لهم ونفعهم، ح1.
[4] م.ن، ج1، ص405، باب ما أمر النبي صلى الله عليه وآله بالنصيحة لائمة المسلمين، ح4.
[5] م.ن، ج2، ص189، باب إدخال السرور على المؤمنين، ح5.
[6] م.ن، ج2، ص193، باب قضاء حاجة المؤمن، ح2.
[7] الحميري القمي، عبد الله بن جعفر، قرب الإسناد، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1413هـ، ط1، ص145، ح522.
[8] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص190، باب إدخال السرور على المؤمن، ح8.
[9] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص582، المجلس الرابع والسبعون، ح14.
[10] م.ن، ص481، المجلس السابع عشر، ح20.
[11] الحميري، قرب الإسناد، ص120، ح422.
عدد المشـاهدات 334   تاريخ الإضافـة 18/03/2023 - 12:32   آخـر تحديـث 28/03/2024 - 13:12   رقم المحتـوى 22694
 إقرأ أيضاً