الخميس 28/3/2024  
 لا تفوّت على نفسك التوبة في شهر رجب الأصب

لا تفوّت على نفسك التوبة في شهر رجب الأصب
أضف تقييـم
من المعلوم أن شهر رجب[1] من الأشهر الحُرُم[2]، قال الله - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[3]. من ميزات هذه الأشهر الأربعة هو حرمة الظلم والقتال، ليكون ذلك سبيلًا إلى حرمة الظلم بشكل عام والنفس بشكل خاص[4].
 
والظلم للنفس هو هتك أي حرمة من حرمات الله، عبر اقتراف المعصية، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "ظلم نفسَه من عصى الله وأطاع الشيطان"[5]، وفي رواية أخرى "ظَلَم نفسَه مَن رضِيَ بدار الفَناء عِوَضاً عن دار البقاء"[6]. والإنسان عندما يصدر منه الذنب، يُنزِل نفسه منزلة الحيوانية، ويخرجها عن حياض الإنسانية[7] - مهما كان مظهره الخارجي - فيتلبس بحقيقة أخرى قد تكون مساوية أو أقل من الأنعام؟!
 
ولا بدّ من الالتفات إلى أن باطن هذه الأشهر الرحمةُ، فكيف تقابَل الرحمة بالظلم؟! ومما يُدلل على هذه الرحمة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "وَسُمِّيَ شَهْرُ رَجَبٍ‏ شَهْرَ اللَّهِ الْأَصَبَّ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ عَلَى أُمَّتِي تَصُبُّ صَبّاً فِيهِ"[8]، فالحريّ بنا أن نستفيد من هذه الرحمة النازلة لنكون عطرًا فواحًا، ينشر العبير فيفوح لك ولغيرك.
 
التوبة والاستغفار:
التوبة إلى الله، والعودة إليه، بحيث يلقي الإنسان في شهر رجب الأصبّ ما علق به من أدران الذنوب والخطايا، الصغيرة منها والكبيرة. إنها لفرصة كبيرة وذهبية ربما لا تعوّض ولن تتكرر، فمن يدري، ربما يكون هذا الشهر هو الأخير في حياتنا! قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الشهر العظيم إنه شهر الاستغفار: "رَجَبٌ شَهْرُ الِاسْتِغْفَارِ لِأُمَّتِي. أَكْثِرُوا فِيهِ الِاسْتِغْفَارَ، إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏"[9].
 
ومن الملاحَظ في هذا الشهر العظيم كثرة الاستغفار، بصيغ خاصة ومختلفة. وبالدخول إلى حقيقة الاستغفار يتمّ التغيير والانقلاب، فلا بدّ من أن يكون لنا مع الله تعالى وقفة؛ لنصلح ما أفسدنا معه، فنأوب إليه، ونعود إلى رضوانه، فنرجع إليه تائبين مستغفرين، وإن لم نعد فعلينا التنبُّه إلى ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "تعطّروا بالاستغفار، لا تفضحكم روائح الذنوب"[10].
 
شهر رجب هو شهر الإنابة إلى الله - عزّ وجلّ -، ويسمّى بالأصبّ؛ لأن الرّحمة على أمتي تصب صبّاً فيه، كما في الرواية، فليستكثر من قول "أَسْتَغْفِر اللهَ وَأَسْأَلُهُ التَّوْبَةَ". لذا فإنه يجب على الإنسان، خلال هذا الشهر، أن ينظف بيت الروح الذي أهمله لتسعة أشهر، وذلك باتّخاذ أول خطوة وهي الاستغفار.
 
والاستغفار هو حقيقة بالقلب، يكشف عنها اللسان، ولا يكتمل إلا بالندامة الباطنية، والأخيرة لا تتمّ إلا بالتعرف على حقيقة الحرام. ومع التعرف عليه، يعرف الإنسان عظيم ما فعل، وجليل ما اكتسب، وكثير ما فرّط في جنبه، فيتألم عندها لما صدر منه، ويحترق القلب بعظم المصاب، فيقوم ليغسله بماء الأواب، ويذوب خجلًا أمام عظم النعم، فالتائب حين استغفاره يكون بين الخشوع لعظمته - عزّ وجلّ -، والذلّ لحقارته، فيبقى في داخله هذا الشعور، فينبري بطلب التوبة بمعنى حقيقي: "إِلهِي لَمْ أَعْصِكَ حِيْنَ عَصَيْتُكَ وَأَنا بِرُبُوبِيَّتِكَ جاحِدٌ، وَلا بِأَمْرِكَ مُسْتَخِفٌ، وَلا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ، وَلا لِوَعِيدِكَ مُتَهاوِنٌ، لكِنْ خَطِيئَةٌ عَرَضَتْ، وَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، وَغَلَبَنِي هَوَايَ، وَأَعانَنِي عَلَيْها شِقْوَتِي، وَغَرَّنِي سِتْرُكَ المُرْخَى عَلَيَّ، فَقَدْ عَصَيْتُكَ وَخالَفْتُكَ بِجُهْدِي، فَالانَ مِنْ عَذابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُنِي، وَمِنْ أَيْدِي الخُصَماءِ غَداً مَنْ يُخَلِّصُنِي، وَبِحَبْلِ مَنْ أَتَّصِلُ إِنْ أَنْتَ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي"[11]، فتكون هذه الحركة الأولى في سبيل التطهير، ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾[12].
 
التخلية[13] من المعاصي والذنوب:
بعد الاستغفار والتوبة، والوصول إلى الطهارة، أفضل ما يلتزم به المؤمن هو المحافظة على عدم الوقوع في الذنب والمعصية؛ ليلتزم مع الله - عزّ وجلّ -، ويعاهده بلسان الحال: "وَخُذْ بِي سَبِيلَ الصَّالِحِينَ، وَأَعِنِّي عَلى نَفْسِي بِما تُعِينُ بِهِ الصَّالِحِينَ عَلى أّنْفُسِهِمْ"[14]، وبلسان العمل بعدم ارتكاب الذنب والمعصية، وفي الرواية العلوية: "اجتناب السيّئات أَولى من اكتساب الحسنات"[15].
 
فيبدأ من أول رجب إلى منتصف شهر شعبان لمدة أربعين يومًا، على قاعدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أخلص لله أربعين يومًا فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه"[16]. فمن قدر على الأربعين قدر على غيرها، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما ضَعُفَ بَدَنٌ عَمّا قَوِيَتْ عليهِ النيّة"[17].
 
تذكرة لمن يخشى...، دار المعارف الإسلامية الثقافية
عدد المشـاهدات 420   تاريخ الإضافـة 30/01/2023 - 11:40   آخـر تحديـث 28/03/2024 - 13:19   رقم المحتـوى 22386
 إقرأ أيضاً