عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) أنَّ أحدَ أصحابِهِ قال: دخلتُ على الصادقِ (عليه السلام) في رجبَ وقد بقيَتْ منهُ أيّام، فلمَّا نَظرَ إليَّ قالَ لي: «هَلْ صُمْتَ في هذا الشَّهْرِ شَيْئاً»؟ قلت: لا واللهِ، يابنَ رسولِ الله، فقالَ لي: «فَقَدْ فَاتَكَ مِن الثَّوابِ ما لَمْ يَعْلَمُ مَبْلَغَه إلّا اللهُ. إنّ هذا شَهْرٌ قَد فَضَّلَهُ اللهُ، وعَظَّمَ حُرْمَتَهُ، وأوْجَبَ للصّائمِينَ فيه كَرامَتَهُ». قال: فقلت: يابنَ رسولِ الله، فإنْ صمتُ ممّا بقيَ منه شيئاً، هل أنالُ فوزاً ببعضِ ثوابِ الصائمينَ فيه؟ فقال: «مَن صامَ يَوماً مِن آخِرِ هذا الشَّهْرِ، كانَ ذلِك أماناً لَهُ مِن شِدَّةِ سَكَراتِ المَوْتِ، وأماناً لَهُ مِن هَوْلِ المُطَّلعِ وعَذابِ القَبْرِ، ومَنْ صامَ يَوْمَيْنِ مِن آخِر هذا الشَّهْرِ، كانَ لَهُ بذلِكَ جَوازٌ على الصِّراط، وأَمِنَ يَوْمَ الفَزَعِ الأكْبَرِ، وَمِن أهْوالِهِ وشَدائِدِهِ، وأُعْطِيَ بَراءةً مِنَ النَّار»[1].
مِنْ مظاهرِ رحمةِ اللهِ بخلقِهِ ما فتحَهُ من خزائنَ في هذه الدنيا، يتزوّدونَ بها لآخرتِهِم، ومنها الأوقاتُ التي خَصَّها في عُمرِ الإنسانِ ليضاعِفَ لهُ مِنَ الثواب، ويعطيَه فُرصاً لتدارُكِ ما فات، ومِن ذلكَ شهرُ رجب، حيث خَصَّهُ بأنَّه منَ الأشهُرِ الحُرُمِ التي يضاعَفُ فيها الثواب، وبأنَّهُ بدايةُ الأشهُرِ الثلاثِ التي خَصَّها بالفضل، وهي رجبٌ، شعبانُ وشهرُ رمضان.
ومن خلالِ معرفةِ فضلِ هذا الشهر، تُقبِلُ النفسُ نحوَ التزوُّدِ منه، ويذكرُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) خصائصَ لهذا الشهر، فهو:
1. فرصةٌ للتقرُّب: «يُمثِّلُ شهرُ رجبٍ فرصةً للتقرُّبِ إلى القِيَمِ الإلهيَّة، والتقرُّبِ إلى الباري تقدَّستْ أسماؤه، وبناءِ الذات».
2. فرصةٌ لتطهيرِ النفسِ تمهيداً لشهرِ رمضان: «على المرءِ أنْ يطهِّرَ نفسَهُ خلالَ شهرَي رجبٍ وشعبانَ، كي يسَعَهُ الجلوسُ على المائدةِ الإلهيَّةِ في شهرِ رمضانَ، والتنعُّمُ بها، والاستزادةُ منها».
3. فرصةٌ لنيلِ رضى اللهِ ولطفِه: «اِعرِفوا قَدْرَ هذه الأيَّام، فإنَّ بمقدورِ الإنسانِ الواعي والبصيرِ والذكيِّ أنْ يكسبَ في كلِّ ساعةٍ مِنْ هذهِ الساعاتِ مكسباً تضمحلُّ أمامَه جميعُ النِعَمِ الدنيويَّة، ألا وهو نيلُ رضى اللهِ ولطفِه وعنايتِه وتوجُّهِه».
4. دروسٌ تربويّة وهدايا معنويّة: «الأدعيةُ الواردةُ في هذا الشهر، إنَّما هي دروسٌ تربويَّة. فلو تدبَّرْنا مضامينَ هذهِ الأدعيةِ، لوجدْنَا فيها أعظمَ الهدايا المعنويَّة».
5. شهرُ جلاءِ القلب: «إنَّ شهرَ رجبٍ هو شهرُ جلاءِ القلبِ وتطهيرِ الروح، وكلُّ ما في شهرِ رجبٍ مِنَ الأدعيةِ والاعتكافِ والصلاةِ؛ إنَّما هي وسائلُ وسُبُلٌ تساعدُنا على جلاءِ قلوبِنا وأرواحِنا».
6. شهرُ تعزيزِ الصِلَةِ بالله: «لا تقتصرُ بركاتُ شهرِ رجبٍ على هذه الولادات. وإنَّني أوصي نفسي وأوصيكُم بالانتهالِ مِنْ بركاتِ شهرِ رجبٍ، عبرَ تعزيزِ الصلةِ والعلاقةِ القلبيَّةِ باللهِ سبحانَه وتعالى».
7. فرصةٌ للعبوديَّة: «شهرُ رجبٍ يمثِّلُ فرصةً للعبوديَّة. وإنَّ جميعَ حياتِنا بعرضِها وطولِها تستطيعُ أنْ تمهِّدَ الأرضيَّةَ للعبوديَّةِ الصحيحةِ التي تمثِّلُ السعادةَ الحقيقيَّة».
8. مقدِّمةٌ لشهرِ شعبانَ ورمضان: «يَظهَرُ مِنَ الأدعيةِ الواردةِ في شهرِ رجبٍ أنَّ هذا الشهرَ هو مقدِّمةٌ لشهرِ شعبانَ، ومِنْ بعدِه لشهرِ رمضان، وأنَّ هذه الأشهرَ الثلاثةَ فرصةٌ لتزكيةِ النفسِ طوالَ السنة».
9. شهرٌ مبارك: «شهرُ رجبٍ شهرٌ مبارك، وهو شهرُ التوسُّلِ والذكرِ والتوجُّهِ والتضرُّعِ والاستغاثةِ، وتوثيقِ عُرى القلوبِ المحتاجةِ والفقيرةِ إلى ألطافِ اللهِ وأفضالِه».
10. فرصةٌ ثمينة: «يُعَدُّ شهرُ رجبٍ فرصةً ثمينةً للقلوبِ المؤمنةِ مِنْ أجلِ توطيدِ ارتباطِها بالله. فالإنسانُ بحاجةٍ إلى هذا الارتباطِ المعنويِّ والروحيّ، والقلبُ الغافلُ هو الذي يقعُ عرضةً لغاراتِ الشيطان».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين |