السبت 23/11/2024  
 كيف تتحقق الدقة في اتخاذ القرارات؟

كيف تتحقق الدقة في اتخاذ القرارات؟
أضف تقييـم
يعتبر اتخاذ القرار، خصوصاً في الأمور الإدارية والقيادية، أمراً حساساً ومؤثراً جداً على النتائج المتوخاة. وتوجد ضوابط يمكن من خلال مراعاتها الخروج بقرارات جيدة ودقيقة. من هنا، ينبغي أن يراعي القرار عدة أمور أهمها:

العنصر الأوّل: أن يكون القرار سديداً صالحاً: ولإحراز ذلك لا بدّ من اتخاذ القرار بالتأنّي والدراسة المعمّقة والنظر في أبعاده فلا يكون القرار هشّاً سريعاً كردّ فعل للظروف الطارئة التي تستفزّ المسؤولين فتضطرّهم لاتخاذ القرار المستعجل.

بل يجب التخطيط الدقيق وإجراء مقارنة بين احتمالات الخسارة واحتمالات النجاح.

يروى أنّه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أوصني، فقال صلى الله عليه وآله وسلم "فهل أنت مستوص إن أوصيتك"؟ حتى قال ذلك ثلاثاً. وفي كلّها يقول الرجل: نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فإنّي أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه وإن يك غيّاً فانته عنه"[1].

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من تورّط في أمر بغير نظر إلى عواقبه فقد تعرّض للنوائب"[2].

وعنه عليه السلام قال لعبد الله بن جندب: "وقِفْ عند كلّ أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم"[3].
 
فالقرار ليس أمراً شخصياً لكي يغامر القائد باتخاذه وتنفيذه، بل يشمل مصير الأمّة والجماعة برمّتها.

ومن هنا يأمر أمير المؤمنين عليه السلام المسؤولين بالتدبٌّر الشديد قبل الندم من التسرُّع في القرار بقوله: "التدبُّر قبل العمل يؤمنك من الندم"[4].
 
العنصر الثاني:
 مشاركة الناس في القرار لكي تضمن القيادة دعمهم لها. فالحاكم المستبدّ الذي يستأثر بالقرار وينفرد به لا يكسب الناس إلى جانبه. ومن أسرار الاستشارة كسب الناس.
 
وهذا المعنى واضح في آية الشورى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ﴾[5].
 
ويذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهمية الشورى بقوله: "أما إنّ الله ورسوله لغنيّان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمّتي، فمن استشار منهم لم يقدم إلّا رشداً، وما لم يستشر لم يقدم إلّا غياً"[6].
 
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من استبدّ برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها"[7].
 
فالاستشارة تحفظ الإنسان من مهالك الاستبداد، ومن أخطار الأخطاء التي تفقد ثقة الناس بقائدهم، لأنّها تُثير الشكوك حول قدرته على إدارة الأمور، وهذه الشكوك وحدها تكفي في تخريب علاقة القائد بجمهوره.
 
ولكن ينبغي أن نفهم أنّ الشورى لولي الأمر إذا كانت واجبة لقوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ فهي غير ملزمة لعدم وجود دليل على الإلزام، ولأن الآية الكريمة تربط التنفيذ والعمل بعزم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ﴾[8].
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لابن عباس وقد أشار عليه في شيء لم يوافق عليه: "عليك أن تشير عليَّ فإذا خالفتك فأطعني"[9].

فإنّ القائد ينبغي أن يتداول مع أصحابه حول ما يستجد على الساحة من أحداث، ولكن تبقى وظيفته الأساس اختيار الرأي الأنسب فإذا عزم فلا بدّ أن تكون الكلمة الأخيرة له. وعلى الجميع أن يطيعوه.
 
العنصر الثالث: العزم والقوّة وعدم التردّد بعد مرحلة التروّي، وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "روّ تحزم، فإذا استوضحت فاعزم"[10].
 
وعنه عليه السلام: "اعلم أنّ من الحزم العزم"[11].

فلا بدّ من الحزم والعزم وهما متلازمان، فإذا ضعف الحزم ضعف العزم، وإذا اشتدّ الحزم تضاعف معه العزم.

وهذه الحقيقة يؤكّدها عليه السلام بقوله: "من قلّ حزمه ضعف عزمه".

فلا يصحّ التردّد في التنفيذ بعد اتضاح الرؤية، بل يتوكّل على الله وحده ويقدم على العمل.
 
قبسات من الثقافة الإدارية في نهج البلاغة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
عدد المشـاهدات 888   تاريخ الإضافـة 04/01/2023 - 11:07   آخـر تحديـث 18/11/2024 - 18:34   رقم المحتـوى 22236
 إقرأ أيضاً