الحسد حالة نفسانية، يتمنّى معها صاحبها سلب النعمة التي يتصوّرها عند الآخرين، سواء نالها أم لا. وهي من أبشع الرذائل وأبغض الصفات. وهو يختلف عن الغبطة، لأنّ الغبطة هي تمنّي النعمة التي لدى الغير، ولكن دون تمنّي زوالها عنهم. والحسد آفة الدين كما جاء عن الإمام علي عليه السلام: "آفة الدّين الحسد، وحسب الحاسد ما يلقى"[1]، وهو رأس العيوب والرذائل، لأنّه تتولّد منه أمراضٌ ومفاسد أخرى، كالعجب وفساد الأعمال وغيرها، لذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: "رأس الرذائل الحسد"[2]. والأخطر من ذلك كلّه أنّ الحسد لا يمكن أن يجتمع مع الإيمان، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يجتمع الحسد والإيمان في قلب امرئ"[3]. دوافع الحسد: للحسد أسبابٌ كثيرة، أهمّها قلّة الإيمان وضعفه في النفس. فالحسود ساخطٌ على الله، غير مؤمنٍ بعدله وحكمته ورحمته وحسن تقديره. مع العلم أنّ تقسيم النّعم والأرزاق إنّما جاء على خير تقديرٍ وأجمل نظامٍ، وهو يتطابق تماماً مع المصالح التامّة والنظام الكلّي. والحاسد في حقيقة نفسه رافضٌ لهذا النظام الأصلح، ولا يرى أنّ الله عادلٌ قي تقسيمه للنعم والمواهب وحكيم في تقديراته، وهو في قرارة نفسه لا يؤمن بأنّ من يتمتّع بالقابلية واللياقة ويطلب من الله أن يرزقه فإنّ الله سيرزقه حتماً، لأنّه الجواد المطلق. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله عزّ وجلّ لموسى بن عمران عليه السلام: يا ابن عمران، لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي، ولا تمدّن عينيك إلى ذلك، ولا تتبعه نفسك، فإنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادّ لقسمتي الذي قسمت بين عبادي، ومن يكُ كذلك فلست منه وليس مني"[4]. عواقب الحسد: يترتّب على الحسد نتائجُ سلبية كثيرة، أهمّها:
أولاً: يشعر الحسود بالهمّ والغمّ دائماً، وهو يعيش حالةً شديدة من الانقباض والحزن والكآبة، فهو يشعر دائماً بالضيق والاختناق، ويتألّم لمجرّد سماعه بنعمةٍ تصيب غيره، وهذا ما يسلبه هدوءه واستقراره. لذا، نراه يتحرّك في تعامله مع الآخرين من موقع الخصومة والعداوة والتعرّض لهم وذكر عيوبهم من أجل الانتقاص من سمعتهم ومكانتهم، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الحسود كثير الحسرات متضاعف السيئات"[5].
ثانياً: الحسد يأكل دعائم الإيمان ويوهن علاقة الإنسان مع ربّه، بحيث يدفع الإنسان إلى أن يسيء الظن بالله تعالى وحكمته، لأنّ الحسود في أعماق قلبه معترضٌ على الله تعالى، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "لا تتحاسدوا، فإنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب اليابس"[6]. ثالثاً: الحسد يحجب العقل عن إدراك حقائق الأمور، فالحسود لا يستطيع أن يرى نقاط القوّة عند المحسود حتى ولو كان قائداً عظيماً ومصلحاً اجتماعياً كبيراً، بل يبحث دائماً عن نقاط ضعفه وعيوبه. رابعاً: يسلب الحسد الإنسان أصدقاءه ورفاقه، ويؤدّي إلى تمزّق روابط الألفة والمحبّة بين الناس، كما جاء عن الإمام علي عليه السلام: "الحسود لا خلّة له"[7]. فمن العوامل الأساسية التي تؤدّي إلى هزيمة المسلمين وانتصار الكافرين عليهم، هو تشتّت كلمتهم وتخاصمهم فيما بينهم. خامساً: يؤدّي الحسد إلى تلوّث صاحبه بأنواع الذنوب الأخرى، من قبيل الظلم، والعدوان، والغيبة، والتهمة، والكذب، والبهتان، وغيرها، من أجل الوصول إلى مقصده. فهو رأس العيوب كما قال الإمام علي عليه السلام: "الحسد رأس العيوب"[8]. علاج الحسد: لعلاج الحسد طريقان، طريقٌ علمي وآخر عملي.
أ- الطريق العلمي: بأن يتأمّل الإنسان جيّداً في أمرين: الأول: في النتائج السلبية والعواقب الضارّة للحسد على المستوى الروحي والبدني، إذ من المهمّ أن يعلم الحسود أنّ هذا المرض الأخلاقي سوف يؤدّي إلى هلاكه في الدنيا والآخرة، كما أخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السلام: "ثمرة الحسد شقاء الدنيا والآخرة"[9]، وسيحول دون إشراق نور الإيمان في قلبه، ويسلب منه الراحة والنوم وسيحوّل حياته إلى حزنٍ وغمّ دائمين. الثاني: أن يتأمّل في جذور ودوافع حصول هذه الحالة في النفس، فإذا كان السبب ضعف الإيمان وعدم المعرفة الصحيحة بالله، فعليه أن يعمّق أسس المعرفة والتوحيد والإيمان بالله في قلبه، أمّا إذا كان السبب الشعور بعقدة الحقارة والدونيّة فعليه أن يعالجها في ظلّ الثقة بالله وحسن الظنّ به، ومن خلال الإدراك بأنّ الكمال الحقيقي هو في التحلّي بمكارم الأخلاق والقرب من الله، وهو ميسّر لكلّ إنسان. ب- الطريق العملي: وهو أن يتكلّف الحاسد بدايةً في إظهار المحبّة للمحسود، فإذا كانت نفسه تدعوه لإيذائه واعتباره عدوّاً وتدفعه إلى هتك حرمته وكشف عيوبه للآخرين، فعليه أن يعمل خلاف ما تريده نفسه، فيثني عليه مثلاً ويذكر صفاته الإيجابية ويحسن إليه ويدعو له بالخير ويقدّمه أمامه. ومع تكرار مثل هذه الأعمال تزول آثار الحسد من النفس شيئاً فشيئاً، ويعيش الإنسان حالةً من الرضا والصفاء والسلام الروحي مع نفسه ومع الآخرين. أنوار الحياة، دار المعارف الإسلامية الثقافية |