اعلم أنّ الصدق من الصفات الجامعة والشاملة لأكثر الصفات والأعمال الحسنة لأنّه يكون في القول وفي العمل، فصدق الحديث هو أن لا يكذب في كلامه لا على الله ولا على الناس، ولا يكون عمله مخالفاً لقوله، ولادعائه الطاعة لله ولرسوله، واليقين بالجنة والنار، وصدق هذا الادعاء مترتب على عدم ارتكابه الذنوب لأنها منافية لطاعة الله واليقين بالجنة والنار. ومن لوازم الصدق أيضاً عدم ترك المستحبات وعدم إتيان المكروهات لأنّه ما من أحد إلاّ ويدّعي متابعة رضا الله وترك القبائح، وهذا ما يقتضيه تصديق الجنة وعظمة الله، وكونه مطلعاً على دقائق الأمور أيضاً، كما لو كان الانسان عند عظيم فإنّه لا يرتكب خلاف الآداب رعايةً لعظمته وتوقّعاً للنفع القليل منه ولا يترك عنده الأولى.
فحريّ بالإنسان أن لا يرتكب أيّ خلاف وترك أولى عند ملك الملوك وأعظم العظماء كي يحصل له القرب أكثر، وتنزل عليه فوائد ومنافع غير متناهية، فكلّ خلاف وترك أولى بل أيّ توجه إلى غيره ينافي هذا التصديق.
إنّ الانسان على الأقل يكرر في اليوم عشر مرّات في الصلاة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، فلو عصى معصية أو توجه إلى غير الله في أمر من الأمور واستعان بغيره لكان كاذباً في قوله ذلك، وكذلك الرياء في العبادة أمام الناس وإتيانها بشرائطها ولكنه يكسل إذا خلى لنفسه.
وكذا إتيان سائر الأعمال غير الخالصة يكون من كذب الأفعال، لأنّ الانسان بهذا العمل يظهر ما ليس متصفاً به، فلو نظرنا بهذا المنظار لرأينا أنّ جميع الأعمال والأخلاق ترجع إلى الصدق، وقد مدح الله تعالى الصادقين مدحاً كثيراً...
كما أنّ الكذب أصل أكثر الصفات الذميمة، ويظهر في كثير من الأخبار وقول بعض الأصحاب أنّه من الذنوب الكبيرة، ويظهر من بعض الأخبار حرمته كاذباً وجاداً وهازلاً.
وينبغي أن يعلم هنا أن من الصدق ما هو قبيح ومن الكذب ما هو حسن بل واجب، فلو سبّب الصدق ضرراً على مؤمن أو قتل نفس محترمة لكان حراماً، كما يجب الكذب إذا كان سبباً لنجاة مؤمن من القتل أو الضرر، وكذلك الكذب على الظالم لو أراد أخذ مال مؤمن ائتمنك عليه بل يجوز القسم بالله بعدم وجود أمانة عندك منه، وإن كانت التورية واجبة مع الامكان كأن ينوي عدم وجود مال أو أمانة يجوز له اعطاؤها، وكذلك يجوز الكذب عند العشار أو الظالم أو الحاكم اذا سبب الاقرار فوت مال منه. وكذلك يجوز الكذب لأجل الاصلاح بين مؤمنين بأن تقول لكلّ واحد منهما إنّ فلان كان يذكرك بخير ويمجّدك، وإن كان ذلك الشخص قد ذمّه في الواقع أو شتمه.
وكذلك جوّز الكذب في خلف الوعد مع النساء اللواتي يتوقّعن منه أكثر من اللازم بأن تعدها بشيء ثم لا تفي به، وإن كان إطلاق الكذب على هذا الفرد مجاز، وسيظهر بعضها في ضمن الأحاديث.
روي بسند معتبر عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال: من صدق لسانه زكا عمله([1]).
وقال (عليه السلام):... انّ عليّاً (عليه السلام) إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصدق الحديث وأداء الأمانة([2]).
وقال (عليه السلام):... انّ الصادق أوّل من يصدّقه الله عزّ وجلّ يعلم انّه صادق، وتصدّقه نفسه تعلم انّه صادق([3]). عين الحياة، العلامة محمد باقر المجلسي (قدس سره)
عدد المشـاهدات 859 تاريخ الإضافـة 01/11/2022 - 12:13 آخـر تحديـث 23/11/2024 - 05:42 رقم المحتـوى 21853