في جميع أنظمة العالم، من دون الالتفات إلى الأهداف والمبادىء الحاكمة عليها، يكون السعي العامّ منصبًّا على انتخاب مسؤولي المجتمع وقادته، من بين الأفراد المؤهّلين، لكي يحقّقوا أهداف النظام بالنحو المطلوب. حتّى في الديمقراطيّات الحديثة، يتمّ الالتفات جيّدًا لعنصر النخبويّة، وتخرج ديمقراطيّة الأكثريّة من إشكاليّتها بالانتقال إلى الديمقراطيّة النخبويّة Elitismdemet sccey. في العالم المعاصر، النظرة الإيجابيّة إلى الديمقراطيّة مرفوضة بالمطلق. لم يعد أحد يتصوّر أنّ انتخاب الأكثريّة يعني دائمًا خير المجتمع وأنّه أفضل أنواع الإنتخاب. كما تمّت الإشارة سابقًا أنّ النازيّة في ألمانيا والفاشيّة في إيطاليا، وصلتا إلى السلطة بناءً على رأي الأكثريّة وولّدت القمع والفجائع الإنسانيّة الكثيرة.
فنظريّة ديمقراطيّة النخبة قائمة على أنّ المقترعين الذين هم عبارة عن عموم أفراد الشعب، ولأسباب متعدّدة من جملتها عدم المعرفة العميقة، وعدم التعلّم الكافي، والتأثّر بالدعايات المضلّلة، لا يستطيعون في كثيرٍ من هذه الأمور أن يتّخذوا القرارات المفيدة. لهذا السبب، ينبغي لمشاركاتهم أن تكون في إطار تعيين المجموعة الحاكمة المنتخَبة من بين النُّخب وحدودها. وبهذا، سيؤثّر رأي الشعب في تحديد من هو الفرد أو الجماعة من النُّخبة التي ستكون الحاكمة. وديمقراطيّة النُّخبة ترجع إلى الاعتقاد بأنّ الناس تتساهل في القرارات السياسيّة والاجتماعيّة المصيريّة، وتجعل مجال تدخّلهم في تعيين النُّخب محدودًا[1].
كما يولّي الإسلام أهمّيّة كبرى للصلاحيّة والأهليّة، وأساسًا، يلاحظ مقولات الولاية، والوراثة والحاكميّة في ظلّ الأهليّة والصلاحيّة، ولا يسلّم أيّ منصب عن طريق الوراثة أو لمدى العمر، ويعتبر أنّ أفضليّة أفراد البشر ورجحانهم هو في تلك الصلاحيّة والأهليّة نفسها. وقد أشار القرآن الكريم في كثير من الآيات إلى عدم جواز هذا الأمر: 1. ﴿[...] أنّ الأرضَ يرثها عباديَ الصالحون﴾[2] 2. ﴿إنّ أكرَمكم عند الله أتقاكم﴾[3] 3. ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إنّ الله عزيز حكيم﴾[4].
كما ورد عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله قوله: لا تصلح عوامّ أمّتي إلّا بخواصّها. قيل: ما خواصّ أمّتك؟ فقال: خواصّ أمّتي أربعة: الملوك، والعلماء، والعبّاد، والتجّار. قيل: كيف ذلك؟ قال: الملوك رعاة الخلق، فإذا كان الراعي ذئبًا؛ فمن يرعى الغنم؟ والعلماء أطبّاء الخلق، فإذا كان الطبيب مريضًا، فمن يداوي المريض؟ والعبّاد دليل الخلق، فإذا كان الدليل ضالًّا، فمن يهدي السالك؟ والتجّار أمناء الله في الخلق، فإذا كان الأمين خائنًا، فمن يعتمد عليه؟[5].
ويلحظ في دستور الجمهوريّة الإسلاميّة أنّ الاهتمام انصبّ بالإضافة إلى حاكميّة الله ومشاركة الشعب على موضوع انتخاب النخب والمؤهَّلين. فطِبقًا للأصل الثاني من الدستور، وبالرغم من أنّ المسؤولين رفيعي المستوى في إدارتهم للمؤسّسات الحكوميّة المختلفة، ينالون الصلاحيّة والمشروعيّة المكتسَبة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من آراء الناس؛ فإنّ الإيمان، وصحّة العمل، ولياقتهم ستكون أيضًا شرطًا معتبرًا[6].
فطِبقًا للأصل الثالث، ما عُرف في المجتمع كمحور أساسيّ للحاكميّة هو مسألة القيادة. ذلك أنّ آليّة الحكم في المذهب الشيعيّ، مجاريةً لأصل النبوّة في عصر النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأصل الإمامة في عصر غيبة الأئمّة عليهم السلام، وأصل الولاية العامّ في عصر الغَيبة. وبما أنّ التقنين وصدور الأحكام يتشكّل بناءً على المقتضيات المتغيّرة للزمان. لذا، فإنّ شكلًا من أشكال التفكير في المصلحة في قالب الأحكام الثانويّة، مع الأخذ بعين النظر الروح العامّة للإسلام والأحكام الإلهيّة الثابتة، يبدو ضروريًّا في جميع الأزمنة والأمكنة حتّى ظهور نخبة المعصوم، وليّ العصر عجّل الله فرجه. وبناءً عليه، فالفقهاء، وعلى رأسهم الوليّ الفقيه، مضافًا إلى الإشراف على القوانين المصادَق عليها في مجلس الشورى وكيفيّة تطبيق القوانين، مكلّفون باستنباط الأحكام والمسائل المستجدّة في كلّ عصر، بالاستناد إلى القرآن، والسنّة، والإجماع، والعقل.
إنّ حاكميّة الفقهاء الواجدين للشرائط، وبسبب الحرّيّة التي تنطلق من مسؤوليّة الإنسان أمام الله، ستكون منبعثة من الرأي العامّ. وكذلك، طِبقًا للأصل 107 من الدستور، سيكون القائد منتخبَ النُّخبة من الناس، وذلك عن طريق مجلس الخبراء. وبهذا النحو، ينتخب الشعب القائد بصورة غير مباشرة. ولا يمكن سلب هذا الحقّ من البشر، إذ أنّ الخالق المتعال جعل الإنسان حاكمًا على مصيره الاجتماعيّ.
من هذا المنطلق، ينبغي على الشعب معرفة الوليّ الفقيه وقبول حاكميّته، ليتجلّى عبر هذا الطريق حقّ حاكميّته التي تتحلّى بالمشروعيّة الإلهيّة. كما أنّ عزل القائد ورد في الأصل 111 من الدستور، وأيضًا مساواة القائد مع جميع أفراد الشعب أمام القوانين، قد ورد في الأصل 112 من الدستور. وبعد ركن القيادة، يُعدّ رئيس الجمهوريّة أعلى منصب رسميّ في البلاد. ويُشترط في انتخابه ثلاثة أصول متساوقة: المشاركة الشعبيّة، الأهليّة والخبرة، وتأييد الوليّ الفقيه. السيادة الشعبيّة الدينيّة، الجمهوريّة الإسلاميّة، الدكتور منوجهر محمّدي |