السبت 20/4/2024  
 قبسات من حياة الإمام محمد الباقر الخامس من ائمة اهل البيت عليهم السلام

قبسات من حياة الإمام محمد الباقر الخامس من ائمة اهل البيت عليهم السلام
أضف تقييـم
تصادف اليوم 7 ذي الحجة ذكرى استشهاد الإمام محمد الباقر بن علي السجاد بن الحسين السبط الشهيد، الخامس من ائمة اهل البيت عليهم السلام وبهذه المناسبة الأليمة نستعرض قبسات من حياته الشريفة.

شهرته بين المسلمين

محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المشهور بالإمام الباقر [عليه السلام] (57 - 114 هـ) الإمام الخامس للشيعة. مدة إمامته 19 سنة. وقد شهد واقعة كربلاء وهو صغير.[١] ويعتبر المؤسس للثورة العلمية الشيعية الكبرى التي بلغت ذروتها في زمن سادس أئمة الشيعة [عليه السلام] .

اعترف بشهرة الإمام الباقر [عليه السلام] العلمية والدينية علماء أهل السنة، فيقول ابن حجر الهيتمي في صواعقه: أبو جعفر محمد الباقر [عليه السلام] سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها وأثار مخبئاتها، ومكامنها فكذلك هو أظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية السريرة، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم، وجامعه، وشاهر علمه.عمّر الإمام (ع) أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوخ في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين.[٢]

نسبه وكنيته وألقابه

محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المشهور بالإمام الباقر [عليه السلام] هو الإمام الخامس للشيعة، أبوه الإمام السجاد [عليه السلام] رابع أئمة الشيعة. أمّه فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى [عليه السلام] ، يقول فيها الإمام الصادق [عليه السلام] : «كانت صدّيقة لم تدرك في آل الحسن مثلها».[٣]

والإمام الباقر [عليه السلام] أول هاشمي ولد من أبوين هاشميين وأول علوي ولد من علويين.[٤]

ومن أشهر ألقابه الشاكر والهادي والباقر ، وقد أشار اليعقوبي إلى السبب في ذلك قائلاً: وكان يسمى أبا جعفر بالباقر [عليه السلام] ؛ لأنّه بقر العلم.[٥] كنيته المعروفة أبو جعفر.[٦] وهي الكنية التي يذكر بها عادة في المصادر الروائية.

ولادته ووفاته

ولد الإمام الباقر [عليه السلام] في المدينة في يوم الجمعة المصادف للأول من رجب سنة 57 هـ وذهب البعض إلى أنّ ولادته كانت في الثالث من صفر من نفس السنة.[٧]

تسميته

سمّاه جده رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] بمحمد، وكنّاه بالباقر قبل أن يولد بعشرات السنين. ورواية جابر بن عبد الله الأنصاري وغيرها من الروايات تدلّ وتؤكد على هذه الحقيقة.[٨]

استشهاده

ارتحل الإمام الباقر [عليه السلام] في اليوم السابع من شهر ذي الحجّة سنة 114 هـ.[٩]وهناك آراء أخرى عن سنة وفاته وشهادته تطلب في مظانها. وقد دفن في المدينة المنورة في مقبرة البقيع.[١٠]

وقد اختلف المؤرخون في مَن باشر قتل الإمام [عليه السلام] أو ساهم فيه، فبعض المصادر ترى أن شهادته كانت على يد هشام بن عبد الملك نفسه.[١١] والبعض الآخر يرى أن إبراهيم بن الوليد هو المسؤول عن سمّ الإمام [عليه السلام] .[١٢] والبعض الآخر يرى أنّ زيد بن الحسن الذي كان يكنّ للإمام [عليه السلام] حقداً دفيناً هو الذي قام بهذه المؤامرة.[١٣] وعلى كل حال فإنّ شهادة الإمام الباقر [عليه السلام] كانت في فترة خلافة هشام بن عبد الملك؛[١٤] لأنّ خلافته استمرّت من سنة 105 إلى سنة 125 هـ، ولا تتجاوز آخر سنة ذكرها المؤرخون في بيان وفاة الإمام الباقر [عليه السلام] سنة 118 هـ.

ومع اختلاف النصوص بحسب الظاهر في تحديد المسؤول عن شهادته [عليه السلام] ، لكن لا يبعد أن تكون كلها صحيحة، إذ قد تكون هناك أيادٍ متعددة شاركت في قتل الإمام الباقر [عليه السلام] حيث تشير كل رواية إلى واحد منهم. ومع الأخذ بنظر الاعتبار المعاملة والسلوك المتعسف والفظ من قبل هشام بن عبد الملك للإمام [عليه السلام] وكذلك عداوة بني أمية التي لا تُنكر لآل علي [عليه السلام] ، لا يبقي أدنى شك بأنّه كان له هدف قويٌ في القضاء على الإمام الباقر [عليه السلام] ، لكن بصورة خفية.

ومن البديهي أنّ هشام بن عبد الملك قد استعان بقوى يطمئن إليها في إجراء هذه المؤامرة؛ لذلك فقد استعان بإبراهيم بن الوليد الذي كان عنصراً أموياً ومعادياً لـأهل البيت (عليهم السلام)، وهو بدوره قد وضع كل الإمكانيات اللازمة لتنفيذ هذه المهمة بيد فرد من أعضاء أسرة الإمام علي [عليه السلام] ، ويمكنه أن يتردد إلى بيت الإمام الباقر [عليه السلام] من دون أي مانع، حتى يمكن بواسطته تنفيذ مؤامرة هشام الخائنة، ويقتل الإمام الباقر [عليه السلام] .

دُفن الإمام الباقر [عليه السلام] في البقيع إلى جوار مرقد أبيه الإمام السجاد [عليه السلام] وعمّه الإمام الحسن بن علي [عليه السلام] .[١٥]

زوجاته وأولاده

ذكرت المصادر التاريخية أن من زوجاته أم فروة وهي التي أنجبت الإمام الصادق [عليه السلام] ، وله زوجة أخرى باسم أم حكيم بنت أسيد الثقفي التي أنجبت له ولدين، وزوجته الثالثة أم ولد أنجبت له ثلاثة أولاد.[١٦]

للإمام الباقر [عليه السلام] سبعة أبناء خمسة ذكور وبنتان، وهم:

جعفر وعبد الله وأمهم أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر .
إبراهيم بن محمد وعبيد الله وأمهم أم حكيم بنت أسيد الثقفي، وقد توفيا صغيرين.
علي وزينب وأم سلمة وأمهم أم ولد.[١٧]

حضوره في كربلاء

لقد قضى الإمام طفولته في المدينة في أحضان والده وجده لمدة أربع سنين. وقد شهد واقعة عاشوراء في كربلاء حيث يشير الإمام [عليه السلام] نفسه في إحدى رواياته إلى هذا المعنى بقوله: «قتل جدي الحسين ولي أربع سنين وإني لأذكر مقتله، وما نالنا في ذلك الوقت».[١٨]

قتل جدي الحسين ولي أربع سنين وإني لأذكر مقتله، وما نالنا في ذلك الوقت
—الإمام الباقر عليه السلام

دخلت على جابر بن عبد الله رحمة الله عليه فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام، ثم قال لي: من أنت؟ وذلك بعد ما كفّ بصره؛

فقلت: محمد بن علي بن الحسين. فقال: يا بني أدن مني، فدنوت منه، فقبّل يدي، ثم أهوى إلى رجلي يقبّلها، فتنحّيت عنه. ثم قال لي: إن رسول الله (ص) يقرئك السلام. فقلت: وعلى رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، وكيف ذلك يا جابر؟ فقال: كنت معه (ص) ذات يوم، فقال لي: يا جابر! لعلك أن تبقَ حتى تلقي رجلاً من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب الله له النور والحكمة، فأقرئه مني السلام.
—الإمام الباقر عليه السلام

سلام النبي (صلى الله عليه وآله) عليه

روى الشيخ المفيد في إرشاده عن الإمام الباقر [عليه السلام] أنّه قال:

"دخلت على جابر بن عبد الله رحمة الله عليه، فسلّمت عليه، فردّ عليّ السّلام، ثم قال لي: من أنت؟ وذلك بعد ما كفّ بصره؛

فقلت: محمد بن علي بن الحسين.

فقال: يا بني أدن مني، فدنوت منه، فقبّل يدي، ثم أهوي إلي رجلي يقبّلها، فتنحّيت عنه.

ثم قال لي: إن رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] يقرئك السلام.

فقلت: وعلى رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، وكيف ذلك يا جابر؟

فقال: كنت معه (ص) ذات يوم، فقال لي: يا جابر لعلك أن تبقي حتى تلقي رجلاً من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب الله له النور والحكمة فأقرئه مني السلام."[١٩]

إمامته

تقلّد الإمام الباقر [عليه السلام] منصب الإمامة في سنة 95 هـ. بعد شهادة أبيه ، واستمرت إمامته وقيادته للشيعة إلى حين شهادته في سنة 114 هـ. وعلى قول آخر استمرت إمامته حتى عام 117 هجرية.

دلائل إمامته

روى جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه سأل رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] يوماً قائلاً: «يا رسول الله (ص) ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب [عليه السلام] قال: "الحسن والحسين [عليه السلام] سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين [عليه السلام] ، ثم الباقر محمد بن علي [عليه السلام] وستدركه يا جابر...."[٢٠]

وقد وجّه الإمام السجاد [عليه السلام] مراراً أنظار الناس نحو الإمام الباقر [عليه السلام] ؛ ليبين لهم أنّه هو الإمام من بعده، فقد روى ولده عمر بن علي قال: "كان والدي يردد لقب الباقر، فقلت له: يا أبة! ولم سميته الباقر؟ قال: فتبسّم. وما رأيته تبسم قبل ذلك... ثم قال: يا بني إن الإمامة في ولده إلى أن يقوم قائمنا [عليه السلام] فيملأها قسطا وعدلا وإنه الإمام أبو الأئمة."[٢١]

وسجّل لنا الشيخ المفيد في إرشاده ما يشير إلى إمامته بقوله: «وكان الباقر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين [عليه السلام] من بين إخوته خليفة أبيه علي بن الحسين [عليه السلام] ووصيه والقائم بالإمامة من بعده، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم والزهد والسؤدد، وكان أنبههم ذكراً وأجلهم في العامة والخاصة وأعظمهم قدراً، ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين [عليه السلام] من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر [عليه السلام] ، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل به علما لأهله تضرب به الأمثال وتسير بوصفه الآثار والأشعار».[٢٢]

الخلفاء المعاصرين

عاصر في مدة إمامته خمسة من خلفاء بني أمية وهم:

1. الوليد بن عبد الملك (86 – 96)

2. سليمان بن عبد الملك (96 – 99)

3. عمر بن عبد العزيز (99 – 101)

4. يزيد بن عبد الملك (101 – 105)

5. هشام بن عبد الملك (105 – 125).

وقد تميز كل الخلفاء - ما عدا عمر بن عبد العزيز الذي سار إلى حدٍّ ما في طريق العدل والإنصاف - بظلمهم المتزايد لجميع المسلمين وخاصة الشيعة منهم، وإن الفساد والتمييز وإشعال نار الفتنة والانتقام هو مما يلحظ بشكل واضح وتعج به بيوتهم وبلاطهم.

الثورة العلمية

لقد امتازت السنوات ما بين 94 إلى 114 هـ. بظهور كثير من المدارس الفقهية وهي أكثر فترة اشتهر فيها نقل الحديث وانتشاره في التفسير، وكل ذلك بسبب ضعف الدولة الأموية والنزاع الحاصل بين زعماء الدولة للسيطرة على السلطة. وقد برز في تلك الفترة جمع من العلماء بذلوا جهداً واسعاً في رواية الحديث والإفتاء أمثال الزهري ومكحول وهشام بن عروة... وغيرهم، كما ظهرت في تلك الفترة بعض الفرق مثل الخوارج والمرجئة والكيسانية والغلاة وبدأت بنشر وإشاعة عقائدها بين الناس.

لقد قاد الإمام الباقر [عليه السلام] في تلك الحقبة الزمنية حركة علمية واسعة استمرت حتى بلغت ذروتها في إمامة ابنه الإمام الصادق [عليه السلام] . فقد حصل بعد ظهور الإمام الباقر [عليه السلام] تقدّم واسع في هذا الصعيد، وظهرت حركة علمية ثقافية جديرة بالإكبار في أوساط الشيعة كسرت حاجز التقية إلى حدّ ما، وأزالت حالة الانحسار الذي مني به الفكر الشيعي في دوائر خاصة. ففي ذلك الوقت بدأ الشيعة بتدوين علومهم الإسلامية كالفقه والتفسير والأخلاق و... وقد بلغت من الوفرة حدّاً لو قورن بما نقل عن أبناء الحسن والحسين [عليه السلام] قبله لكان ما نقل لا يساوي معشار ما نقل عن الإمامين الباقر والصادق [عليه السلام] ».[٢٣]

لقد ردّ الإمام الباقر [عليه السلام] استدلال أصحاب القياس،[٢٤] كما اتّخذ موقفاً شديداً مقابل سائر الفرق الإسلامية المنحرفة وحاول – جاهداً - بهذا الموقف أن يضع حدّاً فاصلاً بين عقائد أهل البيت [عليه السلام] الصحيحة في الأصعدة المختلفة، وبين عقائد سائر الفرق. فقد كان يقول [عليه السلام] عن الخوارج ما نصّه: «إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم إن الدين أوسع من ذلك».[٢٥]

لقد كان ديدن العلماء الوقوف بتواضع وخضوع قل نظيره حين طلبهم العلم والتتلمذ عند الإمام الباقر [عليه السلام] ، فعن عبد الله بن عطاء المكي قال: "ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين [عليه السلام] ، وقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه."[٢٦]

لم تكن شهرة الإمام الباقر [عليه السلام] العلمية مقتصرة على أهل الحجاز، بل عمّت العراق وخراسان بشكل واسع، حيث يقول الراوي: رأيت أهل خراسان التفّوا حوله حلقات يسألونه عمّا أشكل عليهم.[٢٧]

التراث العلمي للإمام الباقر (ع) في الفروع المختلفة

التفسير

لقد خصّص الإمام الباقر [عليه السلام] جانباً كبيراً من وقته لتفسير القرآن، حيث تناول فيه جميع شؤونه، وقد أخذ عنه علماء التفسير - على اختلاف آرائهم وميولهم - الشيء الكثير. وقد قيل أن للإمام الباقر [عليه السلام] كتاباً في تفسير القرآن ذكره محمد بن إسحاق النديم في كتابه الفهرست.[٢٨]


وقد حصر الإمام أبو جعفر [عليه السلام] معرفة الكتاب العزيز بـأهل البيت [عليه السلام] ، فهم الذين يعرفون محكمه ومتشابهه والناسخ من المنسوخ، وقد أشار [عليه السلام] إلى هذا المعنى بقوله: «إنّه ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن؛ الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل ينصرف إلى وجوه».[٢٩]

الحديث

لقد أولى الإمام أبو جعفر [عليه السلام] المزيد من اهتمامه للحديث الوارد عن جدّه رسول الله (ص) وعن آبائه الأئمة الطيبين [عليه السلام] ، وقد روى عنه جابر بن يزيد الجعفي سبعين ألف حديث، وأبان بن تغلب مجموعة كبيرة، كما روى عنه غيرهما من أعلام أصحابه طائفة كبيرة من الأخبار.

والشيء المهم أنّ الإمام أبا جعفر [عليه السلام] قد اهتمّ بفهم الحديث والوقوف على معطياته،‌ وقد جعل المقياس في فضل الراوي هو فهمه للحديث ومعرفة مضامينه، فمثلاً يُروى عنه قوله [عليه السلام] : «اعرف منازل الشيعة على قدر رواياتهم ومعرفتهم، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات‏ يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان».[٣٠]

علم الكلام

إنّ عصر الإمام الباقر [عليه السلام] نظراً إلى إتاحة الفرصة بسبب قلة سيطرة السلطة الحاكمة وفّر الفرصة، وأتاح المجال لظهور عقائد وأفكار مختلفة مما أدّى إلى إيجاد وانتشار أفكار منحرفة في المجتمع. فكان على الإمام [عليه السلام] في هذه الظروف بيان عقائد الشيعة الأصيلة ومجابهة العقائد الباطلة والردّ على الشّبهات المطروحة.

وعليه كانت بحوث الإمام الكلامية التي كان يطرحها ناظرة لهذه الأمور، منها: عجز العقول عن إدراك حقيقة الله،[٣١] وأزلية واجب الوجوب،[٣٢] ووجوب طاعة الإمام [عليه السلام] .[٣٣]

وقد ترك لنا الإمام [عليه السلام] إرثاً كبيراً في مجالي الفقه[٣٤] والتأريخ.[٣٥]

مناظرات الإمام

من جملة النشاطات العلمية للإمام الباقر [عليه السلام] هي مناظراته مع الكثير من العلماء والمفكرين بل ومع الزنادقة والمنحرفين وفي شتى المواضيع المختلفة، وكان منها:

مناظرته (عليه السلام) مع أسقف النصارى
مناظرته (عليه السلام) مع الحسن البصري
مناظرته (عليه السلام) مع قتادة بن دعامة
مناظرته (عليه السلام) مع هشام بن عبد الملك
مناظرته (عليه السلام) مع محمد بن المنكدر
مناظراته (عليه السلام) مع نافع بن الأزرق
مناظرته (عليه السلام) مع عبد الله بن معمّر الليثي
مناظرته (عليه السلام) مع قتادة بن دعامة.

تصدي الإمام للإسرائيليات

من الفئات التي كانت موجودة آنذاك في المجتمع الإسلامي وكان لها تأثير عميق في ثقافة المجتمع ذلك الوقت هم اليهود. فقد انتشر في المجتمع الإسلامي آنذاك مجموعة من أحبار اليهود الذين تظاهروا باعتناق الإسلام ومجموعة أخرى لازالوا على الديانة اليهودية، وقد تصدّوا للمرجعية العلمية لطبقة من بسطاء المجتمع الإسلامي.

ومن هنا برزت ضرورة الوقوف أمام اليهود وإيحاءاتهم في الثقافة الإسلامية السيئة، وتكذيب الأحاديث المجعولة من قبلهم عن أنبياء الله وبعض ما ينقلوه مما يشوّه سمعة الأنبياء، وقد تصدى الإمام [عليه السلام] لهم بقوة وبشكل جيد يكشف عن تعالي الإسلام وهيمنة الفكر الإسلامي على مثل هؤلاء المنحرفين ومع تلك الفرق الضالة. وقد أشار زرارة إلى هذه القضية بقوله:

"كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر [عليه السلام] وهو محتبٍ مستقبل القبلة فقال: أما أن النظر إليها عبادة. فجاءه رجل من بجيلة يقال له عاصم بن عمر، فقال لأبي جعفر [عليه السلام] : إنّ كعب الأحبار كان يقول: إنّ الكعبة تسجد لـبيت المقدس في كل غداة.

فقال له أبو جعفر [عليه السلام] : فما تقول فيما قال كعب؟

قال: صدق القول ما قال كعب.

فقال له أبو جعفر [عليه السلام] : كذبت وكذب كعب الأحبار معك وغضب ...

ثم قال: ما خلق الله عزّ وجلّ بقعة في الأرض أحبّ إليه منها... ."[٣٦]

أصحابه وتلامذته

لقد تغيرت الظروف السياسية للمجتمع الإسلامي في عصر الإمام [عليه السلام] تغيراً ملحوظاً مما أدّى إلى إتاحة الفرصة له بتشكيل مجتمع علمي قام من خلاله بتربية وتعليم مجموعة من العلماء الملتزمين بقيم الشريعة الإسلامية، ومن هنا عندما نلقي نظرة على صفحات تاريخ صدر الإسلام نجد في حياة الإمام [عليه السلام] العلمية عدداً كبيراً من أسماء تلامذته والشخصيات العلمية الممتازة في العالم الإسلامي.

ومع ذلك لا ينبغي الاعتقاد بأنّ الإمام الباقر [عليه السلام] كان في مأمن ومعزل عن المضايقات والمزاحمات التي أوجدتها الحكومات آنذاك ضد أهل البيت (عليهم السلام)، فما لا شك فيه إنّ الجو الحاكم على حياة الإمام الباقر [عليه السلام] آنذاك كان جو تقية بشكل شديد؛ وذلك لأنّ عدم الالتزام بالتقية مطلقاً - وفي هذا الجو الخاص الذي كان حاكماً على المجتمع بسبب الحكومات الفاسدة - بمثابة رفع اليد عن النشاطات العلمية والابتعاد عن نشر المعارف الأصولية للدين.

إنّ الظروف المرحلية للإمام الباقر [عليه السلام] والإمام الصادق [عليه السلام] وفّرت لهما مجالاً لم يتوفّر لسائر الأئمة [عليه السلام] ، وهذه الظروف المناسبة كانت بسبب ضعف أساس الحكومة الأموية. فالاضطرابات الداخلية للنظام السياسي في ذلك العصر لم يسمح للحكام أن يضيقوا على آل الرسول (عليهم السلام) كما كان يفعله الحكّام السابقون. وهذه الأرضية المناسبة أدّت إلى أن ينشر الإمام الباقر [عليه السلام] والإمام الصادق [عليه السلام] أكثر آراءهم الفقهية والتفسيرية والأخلاقية في كتبهم الفقهية والروائية.

ولهذا استطاع فرد كـمحمد بن مسلم أن يروي عن الإمام الباقر [عليه السلام] 30000 حديث،[٣٧] وجابر الجعفي 70000 حديث.[٣٨]

ويعتقد علماء الشيعة أنّ أفقه الفقهاء في صدر الإسلام ستة أشخاص وكلّهم من أصحاب الإمامين الباقر والصادق [عليه السلام] ، وهم: زرارة بن أعين، ومعروف بن خربوذ المكي، وأبو بصير الأسدي، وفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي وبريد بن معاوية العجلي.[٣٩]

ذكر الشيخ الطوسي، في كتابة الرجال أن أصحاب وتلاميذ الإمام الباقر [عليه السلام] الذين كانوا يروون الحديث عنه بلغوا 462 رجلاً وامرأتين.

كما اتفق المسلمون السنة والإمامية على توثيق بعض أصحاب وتلاميذ الإمام الباقر [عليه السلام] ، وإن كان بعضهم لم يدخل في دائرة رجال أهل السنة الحديثية ولم ينقل عنه الحديث بسبب توجهاتهم الشيعية العميقة، إلاّ أنّهم كانوا مورد وثاقة عند الشيعة الإمامية فحسب.

الإمام الباقر (عليه السلام) على لسان الفقهاء

إنّ شخصية الإمام الباقر [عليه السلام] لم تكن الفريدة من نوعها في رأي الشيعة الإمامية فحسب، بل إنّ علماء أهل السنة أيضاً يعتبرونه فريداً من نوعه. نُشير هنا إلى نموذجين:

ابن حجر الهيتمي:

«أبو جعفر محمد الباقر [عليه السلام] ، سمي بذلك من بقر الأرض أي شقّها، وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه، ورافعه ... عمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة ...».[٤٠]

وتحدّث عبد الله بن عطاء عن إكبار العلماء وتعظيمهم للإمام الباقر [عليه السلام] وتواضعهم له، وهو من الشخصيات البارزة والعلماء العظام ما قوله: «ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي [عليه السلام] لتواضعهم له ...».[٤١]

أما الذهبي فقد كتب في وصف الإمام الباقر [عليه السلام] قائلا: «كان الباقر أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤود والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة».[٤٢]

الهوامش
↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص289. ↑ ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص 201. ↑ الشيخ المفيد، الإرشاد، ص 508. ↑ الشيخ المفيد، الإرشاد، ص508. ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص289. ↑ الطبري، دلائل الإمامة، ص216. ↑ المجلسي، بحار الأنوار ج46، ص212. ↑ كفاية الأثر، ص 144-145. ↑ فرق الشيعة ص61؛ وقد ورد شهر ربيع الأول في أعلام الورى بدل ذي الحجة، راجع: ص 259 ↑ الكليني، الكافي، ج1، ص469 والشيخ المفيد، الإرشاد، ص 508. ↑ مصباح الكفعمي، 691. ↑ دلائل الإمامة، ص216؛ مناقب ابن شهر آشوب ج4، ص228. ↑ فرق الشيعة 61؛ وقد ورد شهر ربيع الأول في أعلام الورى بدل ذي الحجة،: ص 259. ↑ تاريخ اليعقوبي، ج2، ص289، مروج الذهب 3/219. ↑ فرق الشيعة 61، أصول الكافي 2/372، الإرشاد للمفيد 2/156، دلائل الإمامة ص 216، أعلام الورى 259، كشف الغمة 2/327، تذكرة الخواص 306، مصباح الكفعمي 691. ↑ الشيخ المفيد، الإرشاد، 524. ↑ الشيخ المفيد، الإرشاد، وأمين الإسلام الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدي، ص375. ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2،ص289. ↑ المفيد، الإرشاد، قم: سعيد بن جير، 1428ق، ص 382؛ وراجع كذلك: ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج 54، ص 276. ↑ كفاية الأثر، ص 144-145. ↑ كفاية الأثر، ص237. ↑ المفيد، الإرشاد، ص 509. ↑ الشيخ المفيد، الإرشاد، 507. ↑ الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 18، ص 39. ↑ الشيخ الطوسي، التهذيب، ج 1، ص 241. ↑ الشيخ المفيد، الإرشاد، ص510؛ الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص117و118. ↑ الكليني، الكافي، ج6، ص266 والمجلسي، بحار الأنوار، ج46، ص357. ↑ ابن النديم، الفهرست، ص59 وشريف القرشي، باقر، حياة الإمام محمد الباقر، ج1، ص174. ↑ مجموعة من المؤلفين، أعلام الهداية، ص320. ↑ شريف القرشي، باقر، حياة الإمام الباقر، ج1، ص140و141. ↑ الكليني، الكافي، ج1،ص82. ↑ الكليني، ج1، صص88-89. ↑ الكليني، ج1، ص185. ↑ مجموعة من المؤلفين، أعلام الهداية، الإمام محمد الباقر ص341 تا 347. ↑ مجموعة من المؤلفين، أعلام الهداية، الإمام محمد الباقر ص330تا 334. ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 46، ص 354. ↑ المجلسي، البحار ج 11، ص83. ↑ علي محمد علي الدخيل، أئمتنا ج1، ص347. ↑ مناقب، ابن شهر آشوب ،ج4، ص211. ↑ ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص 201. ↑ سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص337؛ علي بن عيسى الإربلي، كشف الغمة، ج2، ص329. ↑ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج4، ص402.
 
المصادر
ابن الأثير، عزّ الدين، الكامل في التاريخ، بيروت، دار صادر، 1402ه.ق /1982م.
ابن النديم، محمد، كتاب الفهرست، ترجمة محمد رضا تجدد، طهران، مطبعة سپهر، الطبعة الثالثة، 1366 هـ.ش.
سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، طهران، مكتبة نينوي الحديثه، ناصر خسرو.
السيوطي، جلال الدين، تاريخ الخلفاء، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.
الطبرسي، أمين الإسلام، إعلام الورى بأعلام الهدى، الثانية، 1377هـ.ش.
الطبري، محمد بن جرير، دلائل الإمامة، قم، مؤسسة البعثة، الأولى، 1413 هـ.
المجلسي، بحار الأنوار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403 هـ.
القمي الرازي، أبي القاسم علي بن محمد، كفاية الأثر في النص على الأئمة اثني عشر، قم، مطبعة الخيام،1401هـ.
النوبختي، حسن بن موسى، فرق الشيعة، بيروت، دار الاضواء، 1404هـ.
ابن شهر آشوب، ابي جعفر محمد بن علي، مناقب آل ابي طالب، انتشارات ذوي القربى، الاولى، 1421 هـ/1379هـ ش.
ابن حجر الهيتمي، أحمد، الصواعق المحرقة، مكتبة القاهرة، بلا تا.
الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي، الاحتجاج، مشهد، نشر المصطفى، 1403 هـ.
مجموعة من المؤلفين، أعلام الهداية الإمام الباقر ، قم، المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)، الأولى، 1385هـ ش.
الكفعمي، تقي الدين إبراهيم بن علي، المصباح، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،الأولى، 1414 هـ/ 1994م.
شريف القرشي، باقر، حياة الامام محمد الباقر، قم، دار الكتب العلمية، اسماعيليان النجفي، 1397ه.ق.
الكليني، أبي جعفر محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق علي أكبر غفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، الثالثة، 1388 هـ.
الدخيل، علي محمد علي، أئمتنا سيرة الأئمة الاثني عشر، قم، مؤسسة دار الكتب الاسلامي، الثالثة، 1429ق /2008م.
الطوسي، أبي جعفر محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال، تصحيح حسن المصطفوي، جامعة مشهد، 1348 ه.ش.
العاملي، الحر، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بلا تا.
المفيد، محمد بن محمد بن نعمان، الإرشاد، ترجمه محمد باقر ساعدي، طهران، انتشارات إسلامية، 1380هـ ش.
اليعقوبي، ابن واضح، تاريخ اليعقوبي، ترجمه محمد إبراهيم آيتي، طهران، انتشارات علمي وفرهنگي، 1378هـ ش.
عدد المشـاهدات 2423   تاريخ الإضافـة 30/08/2017 - 12:57   آخـر تحديـث 14/04/2024 - 00:50   رقم المحتـوى 6074
 إقرأ أيضاً